الحمد لله.
حديث : مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَا غَرَبَتْ، عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ .
قد ورد من حديث جابر، ومن حديث أبي الدرداء.
أمّا حديث جابر:
فرواه أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" (10 / 301): عن إسماعيل بن يحيى التيمى، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، قال: " رأى النبي صلى الله عليه وسلم أبا الدرداء يمشي قُدَّام أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ! أَتَمْشِي قُدَّام رجل مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ على رجل مسلم خير عنه؟ قال: "فما رُئي أبو الدَّرْدَاء بعد هذا يمشي إلَّا خَلْفَ أبي بكر ".
وإسماعيل هذا ضعيف الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله ابو يحيى التيمي:
عن: أبي سنان الشيباني، وابن جريج، وطائفة.
قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالبواطيل. وقال غيره: كذاب " انتهى. "المغني في الضعفاء" (1 / 89).
وقال الدارقطني رحمه الله تعالى:
" رواه إسماعيل بن يحيى التميمي، وهو ضعيف، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر…
يحدث إسماعيل بن يحيى التميمي، عن الثقات بما لا يتابع عليه " انتهى. "علل الدارقطني" (13 / 380).
وأمّا حديث أبي الدرداء:
فقد ورد من عدة طرق: عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء.
الطريق الأول:
رواه أسلم بن سهل الواسطي في "تاريخ واسط" (ص248)، والآجري في "الشريعة" (4 / 1844)، وأبو بكر القطيعي في زوائده على "فضائل الصحابة" (1 / 152)، وغيرهم: عن عَبْد اللَّهِ بْن سُفْيَانَ الْوَاسِطِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: " رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْشِي أَمَامَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، أَتَمْشِي أَمَامَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَا غَرَبَتْ، عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ .
وعبد الله بن سفيان متكلم فيه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"عبد الله بن سفيان الخزاعي الواسطي: عن: يحيى بن سعيد الانصاري.
تكلم فيه العقيلي" انتهى. "المغني في الضعفاء" (1 / 340).
الطريق الثاني:
رواه ابن أبي عاصم في "السنة" (2 / 576)، وأبو بكر القطيعي في زوائده على "فضائل الصحابة" (1 / 154)، والآجري في " الشريعة" (4 / 1844 - 1845): عن بَقِيَّة بْن الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
وبقية مشهور بالتدليس، وقد دلس في هذه الرواية.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" قال أبي: ... سمع بقيّة هذا الحديث من هشام الرّازي، عن محمّد ابن الفضل، عن ابن جريج، فترك الاثنين من الوسط.
قال أبي: محمّد بن الفضل بن عطيّة متروك الحديث " انتهى. "العلل" (6 / 456).
الطريق الثالث:
رواه عبد بن حميد "المنتخب من مسند عبد بن حميد" (1 / 200): عن أَبي سَعِيدٍ الْبَكْرِيّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَا غَرَبَتْ عَلَى أَحَدٍ أَفْضَلَ -أو: خير- مِنْ أَبِي بَكْرٍ، إِلَّا أَنْ يكون نبي .
جاء في "تاريخ دمشق" (30 / 208)، بعد ذكر هذه الرواية:
" كذا كان في كتابي: البكري، وإنما هو العسكري، واسمه أبان "انتهى.
ولم نعرف أبا سعيد هذا من هو.
الطريق الرابع:
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3 / 325): عن هوذة بن خليفة، حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء.
وهوذة بن خليفة، صدوق.
قال عنه الذهبي رحمه الله تعالى:
"هوذة بن خليفة: … صدوق، ضعفه يحيى بن معين، فقال: هوذة عن عوف ضعيف" انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 713).
ثم إن مدار هذه الأسانيد كلها على ابن جريج، عن عطاء.
قال أبو نعيم رحمه الله تعالى:
" غريب من حديث عطاء، عن أبي الدرداء، تفرد به عنه ابن جريج " انتهى."حلية الأولياء" (3 / 325).
وابن جريج مدلس، ولم يصرح بسماعه للخبر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي: … وصفه النسائي وغيره بالتدليس.
قال الدارقطني: شر التدليس تدليس ابن جريج؛ فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح " انتهى. "طبقات المدلسين" (ص41).
وعطاء هو ابن أبي رباح، كما بيّنه أبو نعيم، فقد ساق هذا الخبر في مرويات عطاء بن ابي رباح. "حلية الأولياء" (3 / 325).
وعطاء ابن أبي رباح، في سماعه من أبي الدرداء كلام.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"وذكره [أي عطاء ابن أبي رباح ] ابن حبان في الثقات، وقال: مولده بالجَنَد سنة (27)، وكان من سادات التابعين فقها، وعلما، وورعا، وفضلا.
قلت: فعلى تقدير مولده لا يصح سماعه من أبي الدرداء، ولا من الفضل بن عباس " انتهى. "تهذيب التهذيب" (3 / 103).
وهذا كله يدل على ضعف هذا الإسناد.
وقد حكم عليه أبو حاتم الرازي بالوضع.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" وسألت أبي عن حديث رواه: محمَّد بْنُ المُصَفَّى ، عَنْ بَقِيَّة ، عَنِ ابْنِ جُرَيج ، عَنْ عَطاء ، عَنْ أَبِي الدَّرداء؛ قَالَ: رَآنِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَمْشِي أَمَامَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: لِمَ تَمْشِي أَمَامَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ؟ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَيْرُ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ؟
قال أبي: هذا حديث موضوع … " انتهى. "العلل" لابن أبي حاتم (6/ 456).
وسُئل عنه الدارقطني، فقال رحمه الله تعالى:
" يرويه ابن جريج، وَاخْتُلف عنه:
فرواه إسماعيل بن يحيى التميمي، وهو ضعيف، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر.
وغيره يرويه عن عطاء، عن أبي الدرداء.
والحديث غير ثابت ...." انتهى. "علل الدارقطني" (13 / 380).
وأبو نعيم حكم عليه بالغرابة، كما سبق.
الخلاصة:
هذا الخبر ضعيف، لا يصح إسناده.
وأبو بكر رضي الله عنه فضله ثابت، فهو أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري (3671): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قالَ: " قُلْتُ لأَبِي [ وأبوه: علي بن أبي طالب رضي الله عنه ]: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: أَبُو بَكْرٍ.
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قالَ: ما أَنا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" .
وروى البخاري (3697 ): عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: " كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نُفاضِلُ بَيْنَهُمْ" .
وأما خبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة من مريم وآسية، فقد سبق بيان عدم صحة هذه الأخبار، وهذا في جواب السؤال رقم: (111279).
والله أعلم.