هل الحديث: (ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبى بكر) صحيح؟ وهل الحديث الذي ورد عن زواج النبي من مريم وآسية في الجنة صحيح؟
هذا الخبر ضعيف، لا يصح إسناده.
الحمد لله.
حديث : مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَا غَرَبَتْ، عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ .
قد ورد من حديث جابر، ومن حديث أبي الدرداء.
أمّا حديث جابر:
فرواه أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" (10 / 301): عن إسماعيل بن يحيى التيمى، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، قال: " رأى النبي صلى الله عليه وسلم أبا الدرداء يمشي قُدَّام أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ! أَتَمْشِي قُدَّام رجل مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ على رجل مسلم خير عنه؟ قال: "فما رُئي أبو الدَّرْدَاء بعد هذا يمشي إلَّا خَلْفَ أبي بكر ".
وإسماعيل هذا ضعيف الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله ابو يحيى التيمي:
عن: أبي سنان الشيباني، وابن جريج، وطائفة.
قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالبواطيل. وقال غيره: كذاب " انتهى. "المغني في الضعفاء" (1 / 89).
وقال الدارقطني رحمه الله تعالى:
" رواه إسماعيل بن يحيى التميمي، وهو ضعيف، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر…
يحدث إسماعيل بن يحيى التميمي، عن الثقات بما لا يتابع عليه " انتهى. "علل الدارقطني" (13 / 380).
وأمّا حديث أبي الدرداء:
فقد ورد من عدة طرق: عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء.
الطريق الأول:
رواه أسلم بن سهل الواسطي في "تاريخ واسط" (ص248)، والآجري في "الشريعة" (4 / 1844)، وأبو بكر القطيعي في زوائده على "فضائل الصحابة" (1 / 152)، وغيرهم: عن عَبْد اللَّهِ بْن سُفْيَانَ الْوَاسِطِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: " رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْشِي أَمَامَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، أَتَمْشِي أَمَامَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَا غَرَبَتْ، عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ .
وعبد الله بن سفيان متكلم فيه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"عبد الله بن سفيان الخزاعي الواسطي: عن: يحيى بن سعيد الانصاري.
تكلم فيه العقيلي" انتهى. "المغني في الضعفاء" (1 / 340).
الطريق الثاني:
رواه ابن أبي عاصم في "السنة" (2 / 576)، وأبو بكر القطيعي في زوائده على "فضائل الصحابة" (1 / 154)، والآجري في " الشريعة" (4 / 1844 - 1845): عن بَقِيَّة بْن الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
وبقية مشهور بالتدليس، وقد دلس في هذه الرواية.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" قال أبي: ... سمع بقيّة هذا الحديث من هشام الرّازي، عن محمّد ابن الفضل، عن ابن جريج، فترك الاثنين من الوسط.
قال أبي: محمّد بن الفضل بن عطيّة متروك الحديث " انتهى. "العلل" (6 / 456).
الطريق الثالث:
رواه عبد بن حميد "المنتخب من مسند عبد بن حميد" (1 / 200): عن أَبي سَعِيدٍ الْبَكْرِيّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَا غَرَبَتْ عَلَى أَحَدٍ أَفْضَلَ -أو: خير- مِنْ أَبِي بَكْرٍ، إِلَّا أَنْ يكون نبي .
جاء في "تاريخ دمشق" (30 / 208)، بعد ذكر هذه الرواية:
" كذا كان في كتابي: البكري، وإنما هو العسكري، واسمه أبان "انتهى.
ولم نعرف أبا سعيد هذا من هو.
الطريق الرابع:
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3 / 325): عن هوذة بن خليفة، حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء.
وهوذة بن خليفة، صدوق.
قال عنه الذهبي رحمه الله تعالى:
"هوذة بن خليفة: … صدوق، ضعفه يحيى بن معين، فقال: هوذة عن عوف ضعيف" انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 713).
ثم إن مدار هذه الأسانيد كلها على ابن جريج، عن عطاء.
قال أبو نعيم رحمه الله تعالى:
" غريب من حديث عطاء، عن أبي الدرداء، تفرد به عنه ابن جريج " انتهى."حلية الأولياء" (3 / 325).
وابن جريج مدلس، ولم يصرح بسماعه للخبر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي: … وصفه النسائي وغيره بالتدليس.
قال الدارقطني: شر التدليس تدليس ابن جريج؛ فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح " انتهى. "طبقات المدلسين" (ص41).
وعطاء هو ابن أبي رباح، كما بيّنه أبو نعيم، فقد ساق هذا الخبر في مرويات عطاء بن ابي رباح. "حلية الأولياء" (3 / 325).
وعطاء ابن أبي رباح، في سماعه من أبي الدرداء كلام.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"وذكره [أي عطاء ابن أبي رباح ] ابن حبان في الثقات، وقال: مولده بالجَنَد سنة (27)، وكان من سادات التابعين فقها، وعلما، وورعا، وفضلا.
قلت: فعلى تقدير مولده لا يصح سماعه من أبي الدرداء، ولا من الفضل بن عباس " انتهى. "تهذيب التهذيب" (3 / 103).
وهذا كله يدل على ضعف هذا الإسناد.
وقد حكم عليه أبو حاتم الرازي بالوضع.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" وسألت أبي عن حديث رواه: محمَّد بْنُ المُصَفَّى ، عَنْ بَقِيَّة ، عَنِ ابْنِ جُرَيج ، عَنْ عَطاء ، عَنْ أَبِي الدَّرداء؛ قَالَ: رَآنِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَمْشِي أَمَامَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: لِمَ تَمْشِي أَمَامَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ؟ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَيْرُ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ؟
قال أبي: هذا حديث موضوع … " انتهى. "العلل" لابن أبي حاتم (6/ 456).
وسُئل عنه الدارقطني، فقال رحمه الله تعالى:
" يرويه ابن جريج، وَاخْتُلف عنه:
فرواه إسماعيل بن يحيى التميمي، وهو ضعيف، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر.
وغيره يرويه عن عطاء، عن أبي الدرداء.
والحديث غير ثابت ...." انتهى. "علل الدارقطني" (13 / 380).
وأبو نعيم حكم عليه بالغرابة، كما سبق.
الخلاصة:
هذا الخبر ضعيف، لا يصح إسناده.
وأبو بكر رضي الله عنه فضله ثابت، فهو أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري (3671): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قالَ: " قُلْتُ لأَبِي [ وأبوه: علي بن أبي طالب رضي الله عنه ]: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: أَبُو بَكْرٍ.
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قالَ: ما أَنا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" .
وروى البخاري (3697 ): عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: " كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نُفاضِلُ بَيْنَهُمْ" .
وأما خبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة من مريم وآسية، فقد سبق بيان عدم صحة هذه الأخبار، وهذا في جواب السؤال رقم: (111279).
والله أعلم.