الحمد لله.
أولا:
الصدقة المالية عن الميت تصل إليه إجماعا؛ لما روى مسلم (1630) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالا وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وروى مسلم أيضاً (1004) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا (أي: ماتت فجأة)، وَإِنِّي أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَلِي أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قال النووي رحمه الله:"وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الصَّدَقَة عَنْ الْمَيِّت وَاسْتِحْبَابهَا، وَأَنَّ ثَوَابهَا يَصِلهُ وَيَنْفَعهُ، وَيَنْفَع الْمُتَصَدِّق أَيْضًا، وَهَذَا كُلّه أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ " انتهى من شرح مسلم (11/ 84).
ثانيا:
إذا قدمتِ العلم، وأخذتِ عليه راتبا، فتصدقت بالراتب عن والدك، فالصدقة تصل إليه كما تقدم.
وإن لم تأخذي راتبا، أو أخذت ولم تتصدقي به، وإنما وهبت ثواب عملك الصالح لوالدك، فهل يصل إليه؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم.
وذلك أن الفقهاء اتفقوا على أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بالدعاء، والصدقة، والحج، وقضاء الدين. واختلفوا فيما عدا ذلك من أعمال البر كالصلاة، والصوم، وقراءة القرآن، وتعليم العلم، ونحو ذلك.
ومذهب الحنفية والحنابلة: وصول ذلك للميت.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "لا نزاع بين علماء السنة والجماعة في وصول ثواب العبادات المالية، كالصدقة والعتق، كما يصل إليه أيضا: الدعاء والاستغفار، والصلاة عليه صلاة الجنازة، والدعاء عند قبره.
وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية: كالصوم والصلاة والقراءة.
والصواب: أن الجميع يصل إليه؛ فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من مات وعليه صيام، صام عنه وليه، وثبت أيضاً: أنه أمر امرأة ماتت أمها وعليها صوم أن تصوم عن أمها، وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمرو بن العاص: لو أن أباك أسلم فتصدقت عنه أو صمت أو أعتقت عنه، نفعه ذلك.
وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي" انتهى من مجموع الفتاوى (24/ 366).
وقال ابن القيم في كتاب "الروح" (ص/170):
" فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف وصولها، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة.
نص على هذا الإمام أحمد - في رواية محمد بن يحيى الكحال - قال: قيل لأبي عبد الله: الرجل يعمل الشيء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك، فيجعل نصفه لأبيه أو لأمه؟ قال: أرجو. أو قال: الميت يصل إليه كل شيء، من صدقة أو غيرها.
وقال أيضا: اقرأ آية الكرسي ثلاث مرات، وقل هو الله أحد، وقل: اللهم إنَّ فضلَه لأهل المقابر.
والمشهور من مذهب الشافعي ومالك: أن ذلك لا يصل " انتهى.
وقال برهان الدين ابن مفلح: (وأي قربة فعلها)؛ من دعاء واستغفار وصلاة وصوم وحج وقراءة وغير ذلك، (وجعل ثواب ذلك للميت المسلم: نفعه ذلك). قال أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ للنصوص الواردة فيه" انتهى من المبدع (2/254).
وينظر: بدائع الصنائع (2/ 212).
وعلى هذا القول، فلا حرج لو جعلتِ ثواب تعليمك لوالدك، أو لك ولوالدك، ويصله ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد سبق في الموقع ترجيح القول الثاني، وهو أنه لا يصل إلى الميت ثواب شيء من الأعمال، إلا ما دلت النصوص على وصوله، كالصدقة والدعاء والحج والعمرة، لقول الله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم/39.
وراجعي جواب السؤال رقم (46698، 484077، 134608)
والله أعلم