السبت 23 محرّم 1447 - 19 يوليو 2025
العربية

هل انتظار صلاة العيد والتراويح يدخل في فضل انتظار الصلاة؟

566779

تاريخ النشر : 03-06-2025

المشاهدات : 81

السؤال

في صحيح البخاري: (ولَا يَزَالُ أحَدُكُمْ في صَلَاةٍ ما انْتَظَرَ الصَّلَاةَ )، من المعلوم أن الذي ينتظر الفريضة يكون في صلاة ما انتظرها، فهل ينطبق الحديث على النافلة أيضا، والتي تصلى جماعة؛ كصلاة العيد، والتراويح، والكسوف؟ أم إن ذلك خاص بالفريضة؟
وهل الذي ينتظر صلاة العيد في المسجد يكون في صلاة ما انتظرها؟
وهل الذي ينتظر صلاة التراويح في المسجد يكون في صلاة ما انتظرها؟
وهل الذي ينتظر صلاة الكسوف في المسجد يكون في صلاة ما انتظرها؟

الجواب

الحمد لله.

الحديث المشار إليه في السؤال: هو جزء من حديث طويل، رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن. ونصه:

عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بيته، وفي سوقه، خمسة وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ‌وَلَا ‌يَزَالُ ‌أَحَدُكُمْ ‌فِي ‌صَلَاةٍ ‌ما ‌انتظر ‌الصلاة ).

رواه البخاري (620)، ومسلم (649) واللفظ للبخاري.

وسياق الحديث يدل على أن المراد به انتظار صلاة الجماعة المكتوبة في المسجد؛ ولذا بوب له البخاري: "باب فضل الجماعة".

وبالتتبع والاستقراء، نجد أن ما يطلق عليه في النصوص النبوية: "صلاة الجماعة"، فالمراد به أداء الصلاة المفروضة في جماعة، وكذلك إذا عبر أهل العلم عن صلاة الجماعة وفضلها، فهم يريدون الصلوات الخمس المكتوبة.

وبوب البخاري للرواية الأخرى (لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ) بقوله: "باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة. وفضل المساجد"

وفي رواية للبخاري (465): (حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا ‌دَخَلَ ‌الْمَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ ‌تَحْبِسُهُ) .

وقد ذكر شراح الحديث أن المراد بذلك: انتظار صلاة الجماعة في المسجد.

قال ابن رجب رحمه الله:

"دل هذا الحديث على فضل أمرين: أحدهما: الجلوس في المصلى، وهو موضع الصلاة التي صلاها، والمراد به في المسجد دون البيت، وآخر الحديث يدل عليه...

والثاني: أنَّ منتظر الصلاة لا يزال في صلاة، ما دامت الصلاة تحبسه. وقد فسَّر ذلك بأنه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة.

وهذا يشمل مَن دخل المسجد للصلاة فيه جماعة، قبل إقامة الصلاة، فجلس ينتظر الصلاة، ومن صلى مع الإمام، ثم جلس ينتظر الصلاة الثانية.

وهذا من نوع الرباط في سبيل الله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط انتهى باختصار يسير من "فتح الباري لابن رجب" (6/40-42).

ثانياً:

لم نقف في كلام أهل العلم على التصريح بأن انتظار صلاة العيد والكسوف والتراويح، ونحوها من النوافل التي تشرع لها الجماعة: داخل في الفضيلة المذكورة في الحديث.

لكنه لو قيل بذلك، لم يكن بعيدا، وفضل الله واسع، ومعنى الرباط على الطاعة حاصل في الصورتين: انتظار الفضيلة، وانتظار النافلة.

وقد ألمح إلى ذلك العموم: أبو الحسن ابن بطال في شرحه لباب: (باب مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ)، من "صحيح البخاري"، قال:

"قوله عليه السلام: (الملائكة تصلى على أحدكم ما دام فى مصلاه) ، تفسير لقوله: (ويستغفرون للذين آمنوا) [غافر: 7] ، يريد المصلين، والمنتظرين للصلاة، ‌ويدخل ‌فى ‌ذلك ‌من ‌أشبههم ‌فى ‌المعنى، ممن حبس نفسه على أفعال البرِّ كلها، والله أعلم". "شرح صحيح البخاري" (2/ 284).

ويشهد لذلك المعنى من كلام السلف، من صرح بأن من جلس في "مصلاه" بعد الصلاة، فهو في صلاة، ولو لم يكن ينتظر بذلك صلاة أخرى، بل ولو كان في وقت لا تشرع فيه الصلاة، أصلا.

فروى عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 540): عن عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: " إِنَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا مُسْلِمٌ شَيْئًا وَهُوَ يُصَلِّي إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.

قَالَ عَطَاءٌ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: هِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ.

فَقِيلَ لَهُ: فَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ؟

قَالَ: لَا، وَلكنْ مَا كَانَ فِي مُصلَّاهُ، لَمْ يَقُمْ مِنْهُ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ".

وروى أيضا: (3/ 543): " قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: كَيْفَ زَعَمُوا أَنَّهَا وَالْإِنْسَانُ يُصَلِّي؟ فَقَالَ الْآخَرُ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَزَالُ الْإِنْسَانُ ‌فِي ‌صَلَاةٍ، مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ ‌مُصَلَّاهُ، أَوْ يُحْدِثْ».

وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 390)، عن إبراهيم قال: "كان يقال: إذا صلى الرجل ثم جلس في ‌مصلاه، فهو ‌في ‌صلاة، والملائكة تصلي عليه، ما لم يحدث فيه، فإذا جلس في المسجد فهو ‌في ‌صلاة ما لم يحدث: ما لم يؤذ فيه".

والله أعلم.

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب