الأحد 24 محرّم 1447 - 20 يوليو 2025
العربية

من حلف أيمانا كثيرة على أشياء مختلفة، هل يسعه الأخذ بمذهب الحنابلة والاكتفاء بكفارة واحدة؟

566011

تاريخ النشر : 01-06-2025

المشاهدات : 130

السؤال

أنا فتاة في التاسعة عشرة، كنت لا أصلي، وأتهاون في الحلف والحنث بيميني كثيرًا لمدة سبع سنوات، ثم هداني الله تعالى قبل سنتين، والتزمت بالصلاة والتوبة، أدركت مؤخرًا أن عليّ كفارات أيمان من تلك السبع سنوات، لكني لا أستطيع تقدير العدد بدقة، ولا أتذكر نيتي هل كنت متعمدة أم كانت تجري على لساني بلا قصد، وتقديراتي متفاوتة جدًا بين ١٠٠ إلى ١٠٠٠ كفارة، وربما يكون للوسواس دور في ذلك، حيث أعاني منه في العبادات.
أستطيع أداء ١ إلى ٤ كفارات شهريًا من مكافأتي الجامعية، حيث سأقوم بإطعام مساكين، لكن ذلك سيستغرق سنوات طويلة، ربما ١٥ سنة، وأخشى الموت قبل إتمامها.
وأسئلتي:
١. هل يلزمني دفع كل مكافأتي الجامعية شهريًا للكفارات، أم يمكنني تخصيص جزء منها؟
٢. هل يجوز لي التصدق بشكل منفصل عن الكفارات؟
٣. كيف أتعامل مع جهلي بالعدد؟ وهل يؤثر الوسواس في تقديري لها؟
٤. لا أستطيع أن أستدين من أحد؛ حيث إن الكفارة الواحدة عليها ١٠٠ ريال، وأنا كفاراتي كثيرة جدًا جدًا؟
أفتوني جزاكم الله خيرًا، فقد ضاقت الدنيا بي، وأنا حزينة جدًا عندما أدركت وضعي والكم الهائل من الكفارات.

الجواب

الحمد لله.

من حلف أيمانا ولم يكفر عنها، ففيها تفصيل:

1-فإن كانت على شيء واحد، فتكفيه كفارة واحدة.

2-وإن كانت على أشياء مختلفة، كأن حلف لا يأكل، ولا يلبس، ولا يكلم فلانا، ففيه خلاف:

أ-فالجمهور على أنه يلزمه لكل نوع كفارة.

ب-وذهب الحنابلة إلى أنه تكفيه كفارة واحدة.

قال في "كشاف القناع" (6/ 244): مبينا الحالة الأولى: " (ومن كرر يمينا موجَبها واحد على فعل واحد كقوله: والله لا أكلت، والله لا أكلت): فكفارة واحدة؛ لأن سببها واحد، والظاهر أنه أراد التأكيد ".

ثم قال مبينا الحالة الثانية: "(أو كررها) أي الأيمان (على أفعال مختلفة قبل التكفير، كقوله: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست) (فـ) عليه (كفارة واحدة) لأنها كفارات من جنس فتداخلت، كالحدود (ومثله الحلف بنذور مكررة) فتجزئه كفارة واحدة " انتهى.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لأنها أيمان على أفعال مختلفة، لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتداخل.

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/515): "وإن حنث في الجميع قبل التكفير، فعليه في كل يمين كفارة.

هذا ظاهر كلام الخرقي. ورواه المروذي عن أحمد. وهو قول أكثر أهل العلم.

وقال أبو بكر: تجزئه كفارة واحدة. ورواها ابن منصور عن أحمد. قال القاضي: وهي الصحيحة. وقال أبو بكر: ما نقله المروذي عن أحمد قول لأبي عبد الله، ومذهبه أن كفارة واحدة تجزئه. وهو قول إسحاق؛ لأنها كفارات من جنس، فتداخلت، كالحدود من جنس، وإن اختلفت محالها، بأن يسرق من جماعة، أو يزني بنساء.

ولنا: أنهن أيمان، لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتكفر إحداهما بكفارة الأخرى، كما لو كفر عن إحداهما قبل الحنث في الأخرى، وكالأيمان المختلفة الكفارة.

وبهذا فارق الأيمان على شيء واحد؛ فإنه متى حنث في إحداهما، كان حانثا في الأخرى، فإن كان الحنث واحدا، كانت الكفارة واحدة، وها هنا تعدد الحنث، فتعددت الكفارات.

وفارق الحدود؛ فإنها وجبت للزجر، وتندرئ بالشبهات، بخلاف مسألتنا.

ولأن الحدود عقوبة بدنية، فالموالاة بينها ربما أفضت إلى التلف، فاجتزئ بأحدها، وها هنا الواجب إخراج مال يسير، أو صيام ثلاثة أيام، فلا يلزم الضرر الكثير بالموالاة فيه، ولا يخشى منه التلف" انتهى.

لكن يسعك الأخذ بمذهب الحنابلة، فتكفرين كفارة واحدة عن جميع أيمانك؛ لما ذكرت من الكثرة البالغة في الأيمان، وما ذكرت من وسواسك، ومشقة ضبط ما عليك.

ثم تتقين الله تعالى، فيما تستقبلين من أمرك، وتحفظين أيمانك، كما قال تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89.

وقال سبحانه: ( وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) البقرة/224 .
قال أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (1/483) : "فكأن المعنى: إن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان، والجرأة على الله تعالى، لما في توقي ذلك من البر والتقوى فتكونون بررة أتقياء" انتهى .

والحاصل: أنه يسعك الأخذ بمذهب الحنابلة؛ فتكفرين كفارة واحدة عن جميع أيمانك.

والله أعلم.

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب