ما حكم الاحتفال بالحاج بعد عودته وتزيين البيت له والقول له "حجاً مبروراً " وعمل حفلة خاصة بالحدث؟ هل يعد ذلك من البدع المحدثة مع الدليل؟
الحمد لله.
لم يرد في تزيين البيت بالأشجار والأضواء لقدوم الحاج شيء في السنَّة النبوية، ولا مِن فعل الصحابة رضي الله عنهم، وقد أفتى بعض المعاصرين من أهل العلم بعدم جواز هذا الفعل، وذكروا للمنع أسباباً، منها:
والذي يظهر لنا بالتأمل: أن هذا الفعل جائز، وأن ما ذكره أولئك العلماء الأفاضل لا يقوى لتحريم تزيين البيت لقدوم الحاج، ويمكن الرد على ما قالوه بأمور:
فالظاهر: أن هذا التزيين داخل في العادات، والأصل فيها الإباحة، وليس مع من حرَّمه شيء يقوى لمقابلة القول بالإباحة.
وأما الاحتفاء والاحتفال بالقادم من الحج، وصنع الطعام له: فالظاهر – أيضاً – جوازه، بل لو صنع القادمُ من الحج نفسه طعاماً ودعا الناس إليه كان جائزاً: فكيف لا يقال بجواز صنع الناس له الطعام؟!
وقد ثبت في السنَّة النبوية احتفاء الصحابة بقدوم المسافر، سواء كان سفر حج، أو عمرة، أو تجارة، أو غير ذلك.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ – أي: في فتحها - اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِداً بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ.
رواه البخاري (1704) في كتاب العمرة , وبوَّب عليه: باب استقبال الحاج القادمين، والثلاثة على الدابة.
وقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِابْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ. رواه البخاري (2916).
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِنَا.
قَالَ: فَتُلُقِّيَ بِي وَبِالْحَسَنِ أَوْ بِالْحُسَيْنِ. قَالَ: فَحَمَلَ أَحَدَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْآخَرَ خَلْفَهُ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. رواه مسلم (2428).
قال النووي – رحمه الله -:
يستحب النقيعة، وهي طعام يُعمل لقدوم المسافر، ويطلق على ما يَعمله المسافر القادم، وعلى ما يعمله غيرُه له،... ومما يستدل به لها: حديث جابر رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من سفره نحر جزوراً أو بقرةً " رواه البخاري " المجموع " (4 / 400).
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ظاهرة تنتشر في القرى خاصة بعد عودة الحجاج من مكة.
الشيخ:
السنة هذه؟.
السائل:
كل سنة تقريباً، يعملون ولائم يسمونها "ذبيحة للحجاج" أو "فرحة بالحجاج" أو "سلامة الحجاج"، وقد تكون هذه اللحوم من لحوم الأضاحي، أو لحوم ذبائح جديدة، ويصاحبها نوع من التبذير، فما رأي فضيلتكم من الناحية الشرعية، ومن الناحية الاجتماعية؟.
الشيخ:
هذا لا بأس به، لا بأس بإكرام الحجاج عند قدومهم؛ لأن هذا يدل على الاحتفاء بهم، ويشجعهم أيضاً على الحج، لكن التبذير الذي أشرت إليه والإسراف هو الذي ينهى عنه؛ لأن الإسراف منهي عنه، سواء بهذه المناسبة، أو غيرها، قال الله تبارك وتعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأنعام/141، وقال تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ الإسراء/27، لكن إذا كانت وليمة مناسبة، على قدر الحاضرين، أو تزيد قليلاً: فهذا لا بأس به من الناحية الشرعية، ومن الناحية الاجتماعية، وهذا لعله يكون في القرى، أما في المدن فهو مفقود، ونرى كثيراً من الناس يأتون من الحج ولا يقام لهم ولائم، لكن في القرى الصغيرة هذه قد توجد، ولا بأس به، وأهل القرى عندهم كرم، ولا يحب أحدهم أن يُقَصِّر على الآخر. " لقاءات الباب المفتوح" (154 / السؤال رقم 12).
ولا حرج على المهنئين بسلامة الحاج أن يقولوا من العبارات ما يشاءون، على أن تكون مباحة في الشرع، ودالة على المقصود منها، نحو "تقبل الله طاعتكم" أو " تقبل الله حجكم " أو "حجّاً مبروراً وسعياً مشكوراً"، وقد جاءت أحاديث وآثار ضعيفة فيما يقال للحاج بعد رجوعه، ولا نُثبتها من حيث السند، لكن لا بأس من استعمال ما فيها من أدعية، ومِن ذلك: "قَبِل الله حجَّك وغفر ذنبَك وأخلف نفقتَك"، و "تقبل الله نسكك وأعظم أجرك وأخلف نفقتك"، والأمر في ذلك واسع – ولله الحمد -.
راجع هذه الأجوبة التالية لمزيد من الفهم: (175235، 138630، 173723، 145537، 41143).
والله أعلم