أنا أمتلك مزرعة نخيل، ويأتي المشتري ليشتري التمر على رأس النخيل، ويقوم هو بالخدمة من تأبير وخلافه، ويشتري النخيل بالعدد، ولكني اشترط عليه أن النخلة التي يفسد ثمرها تخصم مني بنهاية الموسم، فهل هذا البيع صحيح؟
الحمد لله.
لا يجوز بيع البلح أو الرطب أو التمر وهو على رؤوس النخل، إلا بعد أن يبدو صلاحه؛ لما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : " نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَارِ حَتَّى يَبدُوَ صَلَاحُهَا ، نَهَى البَائِعَ وَالمُبتَاعَ – أي المشتري -" رواه البخاري (2194)، ومسلم (1534) .
وبدو صلاح التمر بأن يحمرّ أو يصفرّ؛ لما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها ، وعن النخل حتى يزهو " ، قيل : وما يزهو ؟ قال: (يحمار أو يصفار ) أخرجه البخاري (2197).
فلا يجوز لك أن تبيع التمر قبل ظهوره، ولا بعد ظهوره، وقبل أن يحمار أو يصفار، والبيع لا يصح إجماعا، ولا عبرة بكونك ستخصم ثمن الشجرة التي يفسد ثمرها.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/ 189): "جمهور الفقهاء - بوجه عام - على أن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، غير جائز ولا صحيح.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث.
ومع ذلك فقد فصلوا فيه القول، تبعا لتقييد العقد بشرط وإطلاقه، ولا يخلو بيع الثمرة من هذه الأحوال:
الأولى: أن يبيعها قبل الظهور والبروز، أي قبل انفراك الزهر عنها وانعقادها ثمرة، فهذا البيع لا يصح اتفاقا.
الثانية: أن يبيعها بعد الظهور، قبل بدو الصلاح، بشرط الترك والتبقية على الشجر حتى تنضج، فلا يصح هذا البيع إجماعا ....
وعلله ابن قدامة: بالنهي عنه في الحديث المذكور، والنهي يقتضي الفساد.
قالوا: ومثل بيع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط الترك، بيع الزرع قبل أن يشتد.
الثالثة: أن يبيعها بعد الظهور، قبل بدو الصلاح بشرط القطع في الحال، فهذا البيع صحيح بالإجماع، ولا خلاف في جوازه...
غير أن الفقهاء قيدوا هذا الحكم، وهو جواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع في الحال، بقيود بعضها متفق عليه، وبعضها انفرد به فريق من الفقهاء، نشير إليها فيما يلي: الشرط الأول: أن يكون الثمر منتفعا به...
وقد أجاز الفقهاء أيضا، إضافة إلى هذه الصورة الجائزة، وهي بيع ما لم يبدُ صلاحه بشرط القطع في الحال، هذه الصور:
(1) أن يبيع الثمرة التي لم يبد صلاحها مع الشجر، أو الزرع الأخضر مع الأرض، ولا يختلف فيها الفقهاء؛ لأن الثمر فيها والزرع تابعان للشجر والأرض، اللذين لا تعرض لهما عاهة، كما يقول الشافعية.
(2) أن يبيع الثمرة لمالك الأصل، وهو الشجر، أو يبيع الزرع لمالك الأرض، لأنه إذا بيع مع أصل، دخل تبعا في البيع، فلم يضرّ احتمال الغرر فيه، كما احتُملت الجهالة في بيع اللبن في الضرع مع الشاة.
نص على هذه الصورة الحنابلة، كما نص على الأولى الجميع. وزاد المالكية الصورة التالية:
(3) أن يبيع الأصل، وهو الشجر أو الأرض، ثم بعد ذلك بفترة ما، قربت أو بعدت، وقبل خروجهما من يد المشتري، يلحق الثمر أو الزرع بالأصل المبيع قبله" انتهى.
وظاهر سؤالك أنك تبيع التمر قبل ظهوره، وقبل تأبير النخل، ولا تبيعه مع الشجر ولا مع الأرض، وهذا بيع محرم لا يصح اتفاقا.
فالواجب عليك أن تتقي الله تعالى، وأن تحذر غضبه وانتقامه، وأن تتعلم من دينك ما تحتاج إليه في عبادتك ومعاملتك فإن ذلك فرض عليك، ولا تغتر بانتشار المعاملات المحرمة بين الناس.
فقم بتأبير نخلك، ورعايته، واصبر حتى يبدو صلاح الثمر، أن يحمر أو يصفر، فحينئذ يجوز لك بيعه.
ثانيا:
لا يشترط بدو صلاح التمر كله، بل إذا بدا الصلاح في شجرة، جاز بيع الشجرة كاملة وإن لم يبد الصلاح فيها كلها، باتفاق العلماء. وينظر: "المغني" (6/ 150).
وإذا كان البستان واحدا، فلا يشترط أن يبدو الصلاح في كل شجرة من شجر البستان، بل يعتبر كل نوع على حدة، فيكفي أن يبدو الصلاح في شجرة واحدة من كل نوع .
فإذا كان البستان فيه أنواع من التمر كالبرحي والسكري مثلا، فلا يعتبر بدو الصلاح في البرحي كافياً لبيع السكري، ولكن لا بد من بدو الصلاح في كل نوع، ولو في نخلة واحدة من النوع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " إذا بدا صلاح بعض الشجرة ، كان صلاحًا لباقيها ، باتفاق العلماء ، ويكون صلاحها صلاحًا لسائر ما في البستان من ذلك النوع ، في أظهر قولي العلماء ، وقول جمهورهم ، بل يكون صلاحًا لجميع ثمرة البستان التي جرت العادة بأن يباع جملة، في أحد قولي العلماء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 489).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (9/ 40): " قوله: ( وصلاح بعض الشجرة صلاح لها ولسائر النوع الذي في البستان) مثال ذلك: البستان فيه أنواع من التمر كالسكري والبرحي وأم حمام ، بدا الصلاح في واحدة من البرحي ، يقول المؤلف: إن بدو الصلاح في هذه الشجرة صلاح لها ، ولسائر النوع ، الذي هو البرحي .
أما السكري وأم الحمام : فلا يكون صلاح البرحية صلاحاً لهما؛ لأن النوع مختلف.
وظاهر كلام المؤلف أنه سواء بِيع النوع جميعاً ، أو بيع تفريداً ، بأن بعنا التي بدا صلاحها ، وانتقل ملكها إلى المشتري ، ثم بعنا البقية من نوعها على آخرين ، فالكل صحيح ، حيث ذكر المؤلف أن صلاح بعض الثمرة صلاح لها ولسائر النوع الذي في البستان .
وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد: أنه إذا بدا صلاح في شجرة ، فهو صلاح لها ولسائر النوع الذي في البستان.
أما المذهب : فإنه إذا بِيعَ النوع جميعاً ، فصلاح بعض الشجرة ، صلاح للنوع ؛ لأنه لما بيع جميعاً ، صار كأنه نخلة واحدة ، وصلاح بعض النخلة صلاح لجميعها ، فالعقد يقع عليها جميعاً .
أما إذا أفرد : فإنك إذا بعت ما بدا صلاحه ، ثم جددت عقداً لِمَا لم يبدُ صلاحه ، صدق عليك أنك بعت ثمرة قبل بدو صلاحها ، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها .
والمذهب أصح مما هو ظاهر كلام المؤلف .
وقال بعض العلماء : إن صلاح بعض الشجرة : صلاح لها ، ولنوعها ، ولجنسها ؛ فمثلاً : إذا كان عند إنسان بستان فيه عشرة أنواع من النخل ، وبدا الصلاح في نوع منها : جاز بيع الجميع صفقة واحدة ، الذي من نوعه ، والذي ليس من نوعه .
لكن المذهب لا يعتبرون ذلك ، يعتبرون النوع ، والمذهب أحوط ، وإن كان هذا القول قوياً جداً..." انتهى .
والله أعلم.