نويت أن أجعل طفلتي الرضيعة تعتمر بمشيئة الله تعالى، فما هي صيغة الإحرام التي أقولها عنها؟ وما هي صفة تقصير شعرها، حيث إنه قصير، لا يمكنني جمعه؟ وهل يجب تغطية رأسها أثناء المناسك؟ وهل هناك حرج في إنها ترتدي حفاضا فهي لم تكمل عامها الأول؟
الحمد لله.
أولاً:
يصح الحج والعمرة من الصبي: المميز، وغير المميز؛ في قول جمهور العلماء، بل حُكي الإجماع على ذلك.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: " أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقي رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ، فقال: مَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللهِ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ رواه الإمام مسلم (2378).
قال القاضي عياض رحمه الله:
"ولا خلاف بين أئمة العلم في جواز الحج بالصبيان، إلا قوماً من أهل البدع منعوه، ولا يلتفت لقولهم.
وفعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضاً – لذلك، وإجماع الأئمة والصحابة: يرد قولهم" انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 441).
ثانياً:
الصبي غير المميز ينوي عنه وليه، ويلبي عنه.
ونية الإحرام بالقلب؛ وذلك بأن تعقدي النية أن طفلتك أحرمت بعمرة، ودخلت في النسك.
ويسن التلبية عنها، بأن تقولي: "لبيك اللهم عمرة عن فلانة"، وتذكري اسمها. لقول جابر رضي الله عنه "فلبينا عن الصبيان، ورمينا عنهم" رواه أحمد (14370)، وابن ماجه (3038). وفيه ضعف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"الأخرس والمريض والصبي: يُلبَّى عنهم".
وظاهره: أنه إذا عجز عن الجهر، يلبَّى عنه، وذلك لأن جابرًا ذكر أنهم كانوا يلبُّون عن الصبيان، وما ذاك إلا لعجزهم عن التلبية. ففي معنى الصبيان: كلُّ عاجز.
ولأن أمور الحج كلها تدخلها النيابة إذا عجز عنها، كالرمي ونحوه؛ فإذا عجز عن التلبية بنفسه، لبَّى عنه غيره" انتهى من "شرح عمدة الفقه" (4/ 432).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" فيحرم عنه: أي ينوي أن هذا الصبي صار محرماً، لا أن ينوي أنه هو أحرم عن الصبي؛ لأن هذا لا يستقيم، لكن ينوي أن هذا الصبي دخل في الإحرام، وإذا فعل ذلك انعقد إحرام الصبي " انتهى من "تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة" (3/ 317 بترقيم الشاملة).
ثالثاً:
أما طريقة تقصير شعر الطفلة، فهي أن تقصري منه قدر الأنملة، بعد أن تجمعيه في يدك.
وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في الفتوى: (110804).
فإن كان شعر الرضيعة قصيرا، لا يمكن جمعه للأخذ منه، فتأخذين منه ما استطعتِ، من أطرافه ، ويكون هذا مجزئًا ؛ وذلك لأنه الممكن، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ولأنّ أخذ شيء يسير من الشعر مجزئ عند طائفة من أهل العلم المعتبرين، على كل حال؛ ففي هذه الحال من باب أولى.
قال الإمام مالك رحمه الله:
"تأخذ منه قدر الأنملة ، أو فوق ذلك بقليل ، أو دونه بقليل ، وقال : ليس لذلك عندنا حد معلوم، وما أخذت منه أجزأها" انتهى من "المنتقى" (3/29).
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"وأي قدر قصر منه أجزأه؛ لأن الأمر به مطلق؛ فيتناول الأقل" انتهى من "المغني" (5/ 245).
وعليه فيكفي أن تأخذي أي قدر يمكنك من شعر الرضيعة ويكون ذلك مجزئًا.
رابعاً:
أما ما يتعلق بحال الصغير غير المميز في الإحرام: فإنه يفعل به ما يفعل بالكبير من حيث اللباس، مهما أمكن، وتجنيبه المحظورات، كذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وأما الإحرام: فإن الصبي يجرَّد كما يجرد الكبير، وقد روي عن عائشة، رضى الله عنها، أنها كانت تجرد الصبيان إذا دنوا من الحرم. قال عطاء: يفعل بالصغير كما يفعل بالكبير" انتهى من "المغني" (5/ 53).
وقال الشيخ صالح اللاحم حفظه الله:
"فإن كان الصغير أنثى، فحكمها في ذلك حكم البالغة، من جواز لبس المخيط، وتجنب تغطية الوجه، والنقاب، والقفازين" انتهى من "مناسك الصبيان" (ص:57).
خامساً:
أما لبس الحفاظات للرضيعة، فإن كان مرادك السؤال عن حكم لبسها لها وهي محرمة، فهو جائز، لأن المرأة المحرمة لا تمنع من شيء من اللباس إلا النقاب والقفازين .
أما إذا كان مرادك هل يجوز أن تلبسها وفيها نجاسة؟
فإن الصغير غير المميز ينظفه وليه قبل أن يدخل به الطواف، فإذا حصل منه نقض أو نجاسة، فإن ذلك يغتفر في حقه لأنّه لا يتحكم بنفسه، ولا يمكن ضبطه فيه.
وقد تجاوز العلماء عن وضوئه حال الطواف؛ فهذا من باب أولى.
قال ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ " الْغُلَامُ لَمْ يَبْلُغْ يُطَافُ بِهِ، أَيُوَضَّأُ؟ قَالَ: مَا عَلَيْهِ مَا عَلَى الْعَاقِلِ إِلَّا أَنْ يَبْتَغِيَ أَهْلُهُ الْبَرَكَةَ فِي وُضُوئِهِ، وَقَالَ: إِذَا رَمَى الرَّجُلُ عَنِ الصَّغِيرِ رَمَى رَمْيَيْنِ جَمِيعًا، عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الصَّغِيرِ. مسائل الإمام أحمد، رواية أبي داود السجستاني (165).
وهو في "مصنف عبد الرزاق" (5/283)، ولفظه: " مَا عَلَى مَنْ عَقَلَ أَلَّا يَبْتَغِيَ الْبَرَكَةَ فِي وُضوئِهِ "، وهو تحريف، صوبناه من المصدر المذكور.
وطاف أبو بكر بابن الزبير في خرقة، كما في "مصنف عبد الرزاق" (9346).
ومثل هذا لا يمكن ضبط طهارته.
والله أعلم.