الحمد لله.
روى البخاري (5009) ومسلم (808) قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلةٍ؛ كفتاه).
وقد بين العلماء أن كفاية الآيتين لمن قرأ بهما يَحتمل عدة معان من الفضل والثواب، منها: أنهما تجزئان عنه من قيام تلك الليلة بالقرآن، أو: تجزئان فيما يتعلق بالاعتقاد، لما فيهما من معاني الإيمان إجمالًا، أو: تكفياه السوء، وغير ذلك من الأقوال، فينظر للفائدة "فتح الباري" لابن حجر (9/ 56).
وليس في الحديث تخصيص وقت من الليلة يُطلب فيه قراءة الآيتين لتحصيل الفضل، فعُلم بذلك أن من قرأهما في أي وقت من الليلة؛ فقد أتى بالمطلوب الذي يترتب عليه الثواب، وهذا فيه توسعة على العباد، فيجوز أن يقرأ كل شخص بحسب حاله ما يتسير له من أول الليل إلى آخره.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (72591)، ورقم: (145543)، ورقم: (284152).
وأما التخصيص الممنوع الذي يدخل في البدع الإضافية، فهو أن يلتزم شخص قراءة الآيتين في وقت محدد من الليل، وذلك كل ليلة، مع اعتقاده أن قراءة الآيات في هذا الوقت الذي حدده، أفضل أو أحب إلى الله من قراءتهما في سائر الأوقات، أو يدعو غيره إلى القراءة في وقت مخصوص زاعمًا أنه أفضل من غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 107): "من أحدث عملًا في يومٍ، كإحداث صوم أول خميس من رجب ... فلا بد أن يتبع هذا العملُ اعتقادًا في القلب، وذلك لأنه لا بد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، وأن الصوم فيه مستحب استحبابًا زائدًا على الخميس الذي قبله وبعده مثلًا، إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه، أو في قلب متبوعه؛ لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة؛ فإن الترجيح من غير مرجح ممتنع"، انتهى.
وأما إذا قرأهما في وقت معين من الليل، لوظيفة وظفها على نفسه، يحرص ألا يخل بها، أو لأن هذا وقت فراغه، أو وقت ضمانة قراءتهما: فلا حرج في ذلك كله.
وعلى ذلك؛ فإذا لم يكن تحديد وقت القراءة تابعًا لاعتقاد فضيلة خاصة لهذا الوقت، بل لأجل ضبط العبادة وعدم الغفلة عنها، كما في السؤال؛ فلا حرج فيه إن شاء الله، ويؤكده أن تكون القراءة في وقت مختلف أحيانًا، كما في السؤال، فليس هذا من التخصيص الممنوع إن شاء الله.
ويراجع للفائدة أجوبة الأسئلة: (438503)، (220195)، (148174)، (198928).
والله أعلم.