الحمد لله.
أولا:
عند شروع الإمام في الدعاء في آخر خطبة الجمعة يقوم بعض المصلين لأجل البحث عن مكان في الصفوف المتقدمة ليصلي فيه.
وهذا التصرف خلاف السنة؛ لأن السنة أن يقوم المصلي إلى الصلاة، إذا أقيمت الصلاة ، لا قبل ذلك.
ثانيا:
هل الدعاء في آخر الخطبة يعد منها، فيجب الإنصات له؟ أو يعد خارجا عن الخطبة، فيجوز الكلام والحركة أثناء الدعاء؟
هذه المسألة محل خلاف.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" إذا بلغ الخطيب إلى الدّعاء، فهل يسوغ الكلام؟ فيه وجهان:
أحدهما، الجواز؛ لأنّه فرغ من الخطبة، وشرع في غيرها، فأشبه ما لو نزل.
ويحتمل أن لا يجوز؛ لأنّه تابع للخطبة، فيثبت له ما ثبت لها، كالتّطويل في الموعظة ... " انتهى "المغني" (3/200).
والراجح أنه من الخطبة المأمور بالإنصات لها؛ لأن الدعاء فعل مشروع في الخطبة، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (118023).
والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالإنصات مادام الخطيب يخطب ولم يخص كلاما دون كلام.
وذكر الزرقاني المالكي رحمه الله أنه يجوز الكلام إذا شرع الإمام في الدعاء .
وتعقبه البناني رحمه الله تعالى، بقوله:
"ليس بصحيح ..." انتهى. "شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني" (2 / 115).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، في تعليقه على "الكافي":
" القارئ: فإذا وصل الخطيب إلى الدعاء ففيه وجهان: أحدهما يباح الكلام، لأنه فرغ من الخطبة. والثاني: لا يباح، لأنه تابع للخطبة؛ أشبهَ التطويل في الموعظة.
الشيخ: الوجه الثاني هو الصحيح؛ أنه ما دام الخطيب لم يسكت، فإن الواجب الإنصات " انتهى. "تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة" (2 / 237 بترقيم الشاملة).
ثالثاً:
بناء على القول الراجح؛ فإن قيام المصلي قبل سكوت الخطيب، ونزوله للصلاة، له حالان:
الحال الأولى: أن يكون في هذا القيام انصراف عن سماع الخطيب، وتشويش على المصلين، فلا شك أن هذا من العبث واللغو؛ لأنّ القصد من النهي عن اللغو: أن يجمع المصلي قلبه على الإنصات للخطبة، وعدم الإعراض عنها بقول أو فعل.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" ويكره العبث والإِمام يخطب؛ لقولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ( وَمَنْ مَسَّ الْحَصَا فَقَدْ لَغَا ) رواه مسلم. قال التّرمذىّ: هذا حديث صحيح. واللّغو: الإثم، قال اللهُ تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ).
ولأنّ العبث يمنع الخشوع، والفهم.
ويكره أن يشرب والإِمام يخطب، إن كان ممّن يسمع. وبه قال مالك، والأوزاعىّ.
ورخّص فيه مجاهد، وطاوس، والشّافعىّ؛ لأنّه لا يشغل عن السّماع.
ولنا: أنّه فعل، يُشتغل به؛ أشبه مسّ الحصا" انتهى "المغني" (3/201).
ويتأكد النهي إذا رافق هذا القيام تخطٍ لرقاب المصلين.
روى أبو داود (347)، وابن خزيمه في "الصحيح" (1810): عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا، وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا. وَمَنْ لَغَا، وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ: كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا ).
الحال الثانية: ألا يكون في قيام المصلي انصراف عن سماع الخطبة، وليس فيه تشويش على غيره، وإنما مجرد قيام للاستعداد للتقدم عند انتهاء الخطبة، مع إنصاته للإمام وعدم إعراضه عنه، فلا يظهر فيه وجه اللغو، وإن كان خلاف الأولى في حقه.
والله أعلم.