الحمد لله.
أولا:
إذا أخطأ الطبيب، فقلع سنا لا حاجة لقلعها، فعليه ديتها، وهي خمس من الإبل.
قال ابن قدامة رحمه الله: "لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن دية الأسنان خمسٌ، خمسٌ، في كل سن. وقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، ومعاوية، وسعيد بن المسيب، وعروة، وعطاء، وطاوس، والزهري، وقتادة، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن. وفي كتاب عمرو بن حزم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في السن خمس من الإبل. رواه النسائي.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الأسنان خمس، خمس رواه أبو داود" انتهى من "المغني" (8/ 451).
وينظر في ضمان خطأ الطبيب: جواب السؤال رقم: (242731)، ورقم: (114047).
ومقدار الدية بالذهب: ألف دينار، باتفاق الفقهاء. وينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (21/ 50).
وألف دينار: مقدارها: 4250 جم من الذهب، تقريبا.
والواجب في السن: نصف عشر الدية، أي (5%) منها، وهو 212.5 جراما.
ولا حرج في إخراج الدية من الذهب بدلا عن الإبل؛ لأن الذهب أصل معتبر في الدية، لا سيما إذا كانت الإبل قليلة، أو غلا سعرها كثيرا.
ثانيا:
انتشار الألم وعدم تحديد المريض للسن المصابة ليس عذرا للطبيب؛ لإمكان معرفة السن المصابة عن طريق الكشف والأشعة.
وإذا قلع الطبيب سنا سليمة، وكان الأمر ملتبسا، فإن الحالة تعرض على ثلاثة من الأطباء الثقات، فإن قالوا: إنه أخطأ في قلعها، لزمته دية السن.
وينظر: جواب السؤال رقم: (378851).
ثالثا:
اختلف الفقهاء في هذه الدية: هل تكون على العاقلة؟ أم في مال الطبيب؟
قال ابن قدامة رحمه الله: " المسألة الخامسة: أنها [أي العاقلة] لا تَحمل ما دون الثلث. وبهذا قال سعيد بن المسيب، وعطاء، ومالك، وإسحاق، وعبد العزيز، وعمرو بن أبي سلمة وبه قال الزهري وقال: لا تحمل الثلث أيضا.
وقال الثوري، وأبو حنيفة: تحمل السن، والموضحة، وما فوقها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الغرة التي في الجنين على العاقلة، وقيمتها نصف عشر الدية، ولا تحمل ما دون ذلك؛ لأنه ليس فيه أرش مقدر.
والصحيح عن الشافعي، أنها تحمل الكثير والقليل؛ لأن من حمل الكثير حمل القليل، كالجاني في العمد.
ولنا: ما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قضى في الدية أن لا يحمل منها شيء حتى تبلغ عقل المأمومة. [ودية المامومة: ثلث الدية].
ولأن مقتضى الأصل: وجوب الضمان على الجاني؛ لأنه موجَب جنايته، وبدل مُتْلفه؛ فكان عليه، كسائر المتلفات والجنايات.
وإنما خولف في الثلث فصاعدا: تخفيفا عن الجاني، لكونه كثيرا يجحف به، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الثلث كثير).
ففي ما دونه يبقى على قضية الأصل، ومقتضى الدليل، وهذا حجة على الزهري؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلث كثيرا.
فأما دية الجنين، فلا تحملها العاقلة، إلا إذا مات مع أمه من الضربة؛ لكون ديتهما جميعا موجَب جناية تزيد على الثلث.
وإن سلمنا وجوبها على العاقلة؛ فلأنها دية آدمي كاملة" انتهى.
فعلى مذهب المالكية والحنابلة: دية السن على الطبيب.
وعلى مذهب الحنفية والشافعية: تتحملها العاقلة.
فإن لم توجد عاقلة أو امتنعت من الدفع، فالراجح أنها تكون على الطبيب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مسألة: إذا لم يكن للجاني عاقلة تحمل لكونهم إناثاً، أو فقراء، أو ما أشبه ذلك فعلى من تجب الدية؟
قالوا: على بيت المال، وإن كان [القاتل] غير مسْلِم ففي مال الجاني.
قال العلماء: وإذا تعذر بيت المال سقطت الدية.
والصحيح أنه إذا لم يكن له عاقلة: فعليه، فإن لم يكن هو واجداً أخذنا من بيت المال؛ وذلك لأن الأصل أن الجناية على الجاني، وحُمِّلَت العاقلة من باب المعاونة والمساعدة" انتهى من "الشرح الممتع" (14/ 179).
رابعا:
إذا عجز الطبيب عن دفع الدية، فإن قلنا إن دية السن عليه، فإنها تبقى دينا في ذمته.
وإن قلنا: إنها على العاقلة، ولم توجد، أو امتنعت، وعجز هو: فإنها تؤخذ من بيت المال، كما تقدم في كلام الشيخ ابن عثيمين، فإن لم يوجد بيت المال، أو امتنع، فالأظهر أنها تبقى دينا على الطبيب.
قال المرداوي في "الإنصاف" (10/123): " قوله (فإن لم يمكن) يعني: أخذها من بيت المال. (فلا شيء على القاتل). وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، ونقله الجماعة عن الإمام أحمد - رحمه الله -. قال الزركشي: وهذا المعروف عند الأصحاب. بناء على أن الدية وجبت على العاقلة ابتداء...
ويَحتمل: أن تجب في مال القاتل.
قال المصنف هنا: وهو أولى، فاختاره " انتهى.
ويجوز إعطاء الطبيب قدر الدية من الزكاة.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فيمن بقي عليه بعض الدية وثبت إعساره: " فإن الباقي من المبلغ دين في ذمته، ويجب إنظاره فيه إلى ميسرة؛ لقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة إلا أنه يستحق أن يدفع له من الزكاة ما يفي بدينه، لأنه من الغارمين الذين هم أحد أصناف مصارف الزكاة" انتهى من "فتاوى الشيخ" (11/323).
والله أعلم.