هل يجوز إخراج فدية الصيام من كل المواد الغذائية؟

26-05-2025

السؤال 573082

هل يجوز دفع فدية الصيام مواد غذائية ( زيت . سمنة . أرز . دقيق . لحوم)؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

يلزم العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه: الفدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم.

لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184.

روى البخاري (4505) عن ابْنُ عَبَّاسٍ قال: "لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا".

ويلزم من كان عليه قضاء، وأخره لغير عذر حتى دخل رمضان آخر: أن يقضي، ويفدي بإطعام مسكين عن كل يوم، كما هو قول جمهور الفقهاء.

وينظر: جواب السؤال رقم: (26865).

ثانيا:
اختلف الفقهاء في القدر الواجب من الطعام عن كل يوم، فذهب المالكية والشافعية إلى أنه مد من طعام، أي ربع صاع.

وذهب الحنفية إلى أن الواجب صاع.

وذهب الحنابلة إلى أن الواجب مد من البر، أو نصف صاع من غيره.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (22/ 67): "

مقدار الفدية: ذهب المالكية والشافعية إلى أن مقدار الفدية مد عن كل يوم، وبه قال طاووس وسعيد بن جبير والثوري والأوزاعي.

وذهب الحنفية إلى أن المقدار الواجب في هذه الفدية هو صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو نصف صاع من حنطة، وذلك عن كل يوم يفطره، يطعم به مسكينا.

وعند الحنابلة الواجب مد بر، أو نصف صاع من تمر، أو شعير" انتهى.

والمفتى به عندنا أنه نصف صاع من قوت البلد، وذلك يعادل كيلو ونصف الكيلو تقريبا، فيجزئ عن الشهر إخراج 45 كيلو من الأرز، يجوز إعطاؤها لمسكين واحد أو لعدة مساكين.

فإخراج الطعام غير مطبوخ جائز اتفاقا، وهو الأصل.

ثالثا:

ويجزئ أن يصنع طعاما، كأرز ولحم وإدام، أو يخرج ثلاثين وجبة من الطعام، كما جاء عن أنس رضي الله عنه، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن أحمد.

قال البخاري في صحيحه (6/ 25): "وَأَمَّا الشَّيْخُ الكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ: فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ، كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأَفْطَرَ" انتهى.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وروى عبد بن حميد من طريق النضر بن أنس، عن أنس: أنه أفطر في رمضان، وكان قد كبر، فأطعم مسكينا كل يوم.

ورويناه في فوائد محمد بن هشام بن ملاس، عن مروان، عن معاوية، عن حميد قال: ضعف أنس عن الصوم عام توفي، فسألت ابنه عمر بن أنس: أطاق الصوم؟ قال: لا، فلما عرف أنه لا يطيق القضاء، أمر بجفانٍ من خبز ولحم، فأطعم العِدَّة، أو أكثر" انتهى من "فتح الباري" (8/180).

وقال ابن قدامة رحمه الله: " وعن أحمد، رواية أخرى، أنه يجزئه إذا أطعمهم القدر الواجب لهم. وهو قول النخعي، وأبي حنيفة. وأطعم أنس في فدية الصيام. قال أحمد: أطعم شيئا كثيرا، وصنع الجفان. وذكر حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس. وذلك لقول الله تعالى: فإطعام ستين مسكينا [المجادلة: 4]. وهذا قد أطعمهم، فينبغي أن يجزئه. ولأنه أطعم المساكين، فأجزأه، كما لو ملكهم" انتهى من "المغني" (8/ 32).

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/ 198): " ومتى قرر الأطباء أن هذا المرض الذي تشكو منه، ولا تستطيع معه الصوم: لا يرجى شفاؤه، فإن عليك أن تطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو غيره، عن الشهور الماضية والمستقبلة.

وإذا عشيتَ مسكينًا، أو غديته، بعدد الأيام التي عليك: كفى ذلك.

أما النقود فلا يجزئ إخراجها " انتهى.

وبهذا يُعلم أنه يجزئ أن يخرج في الفدية طعاما نيئا، بُرا أو أرزا، أو مطبوخا.

وأما الزيت والسمن: فليس مما يخرج في الفدية؛ لأن الواجب إخراج قوت البلد، وهذا ليس قوتا.

وأما اللحم، فلو كانت قوت الناس، كالذين يعيشون في القطب الشمالي، فيجزئ إخراج الفدية منه.

قال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (25/ 68) : " أَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ قُوتِهِمْ بِلَا رَيْبٍ.

وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مَا يَقْتَاتُونَ مِنْ غَيْرِهَا؟ مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا يَقْتَاتُونَ الْأُرْزَ وَالذرة، فَهَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا؟ أَوْ يُجْزِئُهُمْ الْأُرْزُ وَالذُّرَةُ ؟

فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ. وأصح الأقوال: أنه يُخْرِجُ مَا يَقْتَاتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ : كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّدَقَاتِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْمُواساة لِلْفُقَرَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا لَيْسَ قُوتَهُمْ، بَلْ يَقْتَاتُونَ غَيْرَهُ، لَمْ يُكَلِّفْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مِمَّا لَا يَقْتَاتُونَهُ ، كَمَا لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي الْكَفَّارَاتِ " انتهى بتصرف .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/182) : " ولكن إذا كان قوت الناس ليس حباً ولا ثمراً ، بل لحماً مثلاً ، مثل أولئك الذين يقطنون القطب الشمالي ، فإن قوتهم وطعامهم في الغالب هو اللحم ، فالصحيح أنه يجزئ إخراجه " انتهى.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (275376).

والحاصل:

أن فدية الصيام تخرج من قوت البلد، أرزا أو برا أو تمرا، ويجوز إخراج طعام مطبوخ.

والله أعلم.

الصوم صوم أصحاب الأعذار
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب