إذا وزع الوالدان الذهب على أولادهم مع بقائه بحوزتهم، فمن تلزمه الزكاة؟

01-06-2025

السؤال 572956

منذ صغرنا وأبي وأمي يعملان، وكانوا يحتفظون بالمال في صورة ذهب، ولكن تخطت زكاة الذهب فيما بعد قدرة الأبوين علي دفعها، نحن أربعة أبناء، ولدان بالغان، أحدهما يعمل، والآخر لا، وولدان صغيران، منذ البداية والوالدان ينويان حفظ الذهب للأبناء بالتساوي، وبعد عدم القدرة على تغطية زكاة الذهب اقترح الوالدان التخلي عن ملكية الذهب لأبنائهم، وجميع الأطراف راضية، وسيحتفظ الوالدان بالذهب كأمناء على الذهب، وليس مالكين له، والآن أصبحت حصة كل من الأولاد تحت النصاب.
السؤال:
هل على الأبوين إخراج زكاة الذهب؟ وهل على الأولاد إخراج زكاة، لذا لم يصل نصيبه نصاب زكاة الذهب؟ وهل من الممكن للأبوين استخدام الذهب إذا ما احتاجوا له؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا حرج في تمليك الوالدين الذهب لأولادهم، ويشترط القبض في حق البالغ، ويكتفى في الصغير بقبض والده له، مع الإشهاد على ذلك.

وذلك أن الهبة يشترط فيها القبض، فإذا لم يتم القبض كان الذهب باقيا على ملك الوالد أو الوالدة، ولزمه زكاته.

وللبالغ إذا قبض الذهب أن يعطيه بعد ذلك لوالده أو والدته ليحفظه له.

قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن وهب الأب لابنه شيئا، قام مقامَه في القبض والقبول، إن احتيج إليه.

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا وهب لولده الطفل دارًا بعينها، أو عبدا بعينه، وقبضه له من نفسه، وأشهد عليه: أن الهبة تامة.

هذا قول مالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي. وروينا معنى ذلك عن شريح، وعمر بن عبد العزيز.

ثم إن كان الموهوب مما يَفتقر إلى قبض، اكتفي بقوله: قد وهبت هذا لابني، وقبضته له؛ لأنه يغني عن القبول كما ذكرنا. ولا يغني قوله: قد قبلته؛ لأن القبول لا يغني عن القبض.

وإن كان مما لا يفتقر اكتفي بقوله: قد وهبت هذا لابني. ولا يحتاج إلى ذكر قبض، ولا قبول. قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أن هبة الأب لابنه الصغير في حجره: لا تحتاج إلى قبض، وأن الإشهاد فيها يُغني عن القبض، وإن وليها أبوه؛ لما رواه مالك، عن الزهري، عن ابن المسيب، أن عثمان قال: من نحل ولدا له صغيرا، لم يبلغ أن يحوز نحلة، فأعلن ذلك، وأشهد على نفسه، فهي جائزة" انتهى.

وقال في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (7/ 288): " (قوله وهبة الأب لطفله تتم بالعقد) لأن قبض الأب ينوب عنه ...

وأراد بالأب: من له ولاية عليه في الجملة، فشمل الأم إذا وهبت ولا ولي له ولا وصي ...

وقيّد بالطفل؛ لأن الهبة للولد الكبير لا تتم إلا بقبضه ولو كان في عياله، كذا في المحيط" انتهى.

ثانيا:

إذا خرج الذهب عن ملك الوالدين بهبة صحيحة، وقبضها من يُشترط قبضه: فلا زكاة عليهما فيه.

ثالثا:

نصاب الذهب من عيار 24 هو 85 جراما. ونصاب الذهب من عيار 21 هو 97.14 جراما.

فمن ملك من الأولاد الذكور هذا النصاب بنفسه، أو بما انضم إليه من مال آخر، لزمته الزكاة.

والذهب يضم إلى الفضة والنقود وعروض التجارة لتكميل النصاب، في قول جمهور الفقهاء.

وباتفاقهم يضم الذهب إلى عروض التجارة.

قال ابن قدامة رحمه الله : " فأما إن كان له من كل واحد من الذهب والفضة ما لا يبلغ نصابا بمفرده، أو كان له نصاب من أحدهما، وأقل من نصاب من الآخر: فقد توقف أحمد عن ضم أحدهما إلى الآخر في رواية الأثرم وجماعة. وقطع في رواية حنبل أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ كل واحد منهما نصابا. وذكر الخرقي فيه روايتين في الباب قبله:

إحداهما: لا يضم . وهو قول ابن أبي ليلى , والحسن بن صالح وشريك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور، واختاره أبو بكر عبد العزيز؛ لقوله عليه السلام : ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) ، ولأنهما مالان، يختلف نصابهما؛ فلا يضم أحدهما إلى الآخر، كأجناس الماشية .

والثانية: يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب. وهو قول الحسن وقتادة ومالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي؛ لأن أحدهما يضم إلى ما يضم إليه الآخر، فيضم إلى الآخر؛ كأنواع الجنس. ولأن نفعهما واحد، والمقصود منهما متحد؛ فإنهما قيم المتلفات، وأروش الجنايات، وأثمان البياعات، وحلي لمن يريدهما لذلك، فأشبها النوعين، والحديث مخصوص بعرض التجارة، فنقيس عليه " انتهى من "المغني" (2/ 318).

وينظر: "المجموع" (5/ 491)، "الإنصاف" (3/ 134).

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (23/ 269): " أَمَّا الْعُرُوض فَتُضَمُّ قِيمَتُهَا إلَى الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، وَيَكْمُلُ بِهَا نِصَابُ كُلٍّ مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا.

وَفِي هَذَا الْمَعْنَى: الْعُمْلَةُ النَّقْدِيَّةُ الْمُتَدَاوَلَةُ " انتهى.

والقول بضم الأوراق النقدية إلى الذهب والفضة وعروض التجارة في تكميل النصاب، هو الذي عليه قرار المجمع الفقهي التابع للرابطة، وقرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وعليه فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية. وينظر: جواب السؤال رقم: (220039).

رابعا:

يكون الضم بالأجزاء، لا بالقيمة.

فمن ملك نصف نصاب ذهب، ونصف نصاب فضة، لزمه الزكاة.

ومن ملك نصف نصاب ذهب، ونصف نصاب نقود، لزمه الزكاة.

ونصاب النقود يساوي ما يعادل 595 جراما من الفضة.

فمن ملك خمسين جراما من الذهب، وعنده من النقود ما يشتري نصف نصاب الفضة، لزمته الزكاة، ومن باب أولى لو عنده من النقود ما يشتري به نصف نصاب ذهب.

خامسا:

الذهب إن كان حليا، لأنثى، ففي وجوب زكاته خلاف، وينظر: جواب السؤال رقم: (221758).

سادسا:

الصبي إذا ملك نصابا بنفسه أو ما انضم إليه، أخرج الزكاة عنه وليه من مال الصبي، إلا أن يتبرع الولي بذلك.

وينظر في وجوب الزكاة في مال الصبي: جواب السؤال رقم: (75307).

سادسا:

إن تبرع الولي بإخراج الزكاة من ماله عن أحد الأبناء، وجب أن يتبرع للجميع؛ لوجوب العدل في الهبة؛ لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: أن أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا) فَقَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَارْجِعْهُ) أخرجه البخاري (2586)، ومسلم (1623).

وفي لفظ لمسلم (1623) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟) قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: (أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ).

نحلت: أي: أعطيت، من النِّحلة، وهي العطاء.

وينظر: جواب السؤال رقم: (67652).

سابعا:

إذا احتاج الوالد للمال، فله أن يأخذ من مال أولاده قدر الحاجة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةٌ اللهِ لَكُمْ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ فَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إِذَا احْتُجْتُمْ إِلَيْهَا) رواه الحاكم (2/ 284) والبيهقي (7/ 480)، والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2564).

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (45/202): " ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوالد لا يأخذ من مال ولده شيئا إلا إذا احتاج إليه ... وذهب الحنابلة إلى أن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا؛ بشرطين:

أحدهما: أن لا يُجحف بالابن، ولا يُضِرّ به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.

الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه ولده الآخر" انتهى.

واختلفوا في الأم هل لها ذلك كالأب؟

قال ابن قدامة رحمه الله: " وليس لغير الأب الأخذ من مال غيره بغير إذنه؛ لأن الخبر ورد في الأب بقوله: (أنت ومالك لأبيك). ولا يصح قياس غير الأب عليه؛ لأن للأب ولاية على ولده وماله إذا كان صغيراً ". انتهى من "المغني" (5/ 397)، وينظر: "الإنصاف" (7/ 155)، "الغرر البهية" (4/ 400).

ومنهم من قال: إنها كالأب.

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: " يَأْخُذُ الْأَبُ وَالْأُمُّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا يَأْخُذُ الِابْنُ وَالِابْنَةُ مِنْ مَالِ أَبَوَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا " رواه ابن حزم في "المحلى" (6/ 385)، وصححه.

ومثله عن عطاء بن أبي رباح، والزهري. ينظر: " المدونة" (2/264).

وإذا أخذ الأب من مال أولاده، وجب أن يكون بالعدل، فيأخذ ما يحتاج منهم جميعا، ولا يأخذ من بعضهم.

والله أعلم.

شروط وجوب الزكاة الهدية والهبة والعطية
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب