انا أرملة، ومعي بنتان، ووالدي كبير في السن، وعايش معي في المنزل، ولكنه بخيل بعض الشيء، وأعباء المعيشة كبيرة جدا علي، ووالدي لا يساعدني في مصاريف المنزل، مع العلم إنه مقتدر جدا، وسألته أكثر من مرة أن يساعدني في مصاريف المنزل، ولكن كان يرفض.
هل حرام لو أخذت منه مبلغا ماليا بدون علمه كل فترة، وأصرفه عليه هو، فقط لشراء أكل وفاكهة وخلافه؛ لأنه يبخل على نفسه أيضا جدا من أكل وشرب وعلاج؟
الحمد لله.
أولا:
الأصل عدم جواز أخذ شيء من مال المسلم بغير رضاه؛ لقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7662).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) رواه البخاري (67)، ومسلم (1679).
وقول صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ) رواه مسلم (2564).
ويستثنى من ذلك حالتان:
1-إذا قصر في النفقة على من تلزمه نفقته كزوجته، فلها أن تأخذ من ماله بغير علمه، لتنفق على نفسها بالمعروف؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (5364).
2-أن يكون مجنونا أو أصابه الخرف، فينفق عليه وليه من ماله.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:" قال أحمد: والشيخ الكبير يُنْكَرُ عقله، يُحْجَرُ عليه، يعني: إذا كبر، واختلّ عقله، حُجِرَ عليه، بمنزلة المجنون؛ لأنّه يعجز بذلك عن التصرف في ماله على وجه المصلحة، وحفظه، فأشبه الصبي والسفيه " انتهى من " المغني " (6/ 610).
ولا يحجر عليه إلا القاضي الشرعي، فإن لم يوجد، عيّن أولاده أمينا على ماله، يحفظ ماله، وينفق عليه منه، كما بينا في جواب السؤال رقم: (202990).
ثانيا:
الظاهر من سؤالك أن لديك ما تنفقين به على نفسك وأولادك، وعليه فلا يلزم والدك الإنفاق عليك.
لكن إذا كان يقيم معك في المنزل، فيلزمه أن يشارك في أجرة المنزل ومصاريف الكهرباء والماء والطعام، ما دام مقتدرا، إلا أن تتبرعي بذلك.
فإن لم تتبرعي بذلك، فطالبيه بالمشاركة، أي بتحمل ما يلزمه، فإن أبى، فنرجو ألا يكون عليك حرج في أن تأخذي من ماله قدر ما يحتاجه لنفقاته، من طعام وشراب، ومسكن وملبس، وعلاج، ونحو ذلك من نفقات المعيشة، بالمعروف.
ولو دفعت هذا من مالك، كان لك أن تأخذي القدر اللازم له في ماله، لنفقة نفسه، ويكون ذلك من باب الظَّفَر بالحق؛ لأن امتناعه وأداءك عنه يجعل هذا المال دينا عليه، وهو رافض لأدائه، فإذا ظفرت بشيء من ماله جاز أخذ هذا القدر دون زيادة. وهذا أحسن من أن تأخذي من ماله قبل نفقته.
وينظر في مسألة الظفر: جواب السؤال رقم: (171676).
والله أعلم.