نذرت إذا تم تعييني في وظيفة معينة أنا وأخي أن أدفع راتب شهر كاملا لكل واحد منا، وكنت أعرف الراتب تقريبيا، ونويت أن أحسب ما أدفعه علي الشهر الأول، واكتشفت بعد التعيين أن الراتب مقسم الي أساسي في آخر الشهر، والنصف الآخر حوافز في أوله، وعندما أخذت أول راتب كان الأساسي فقط، فهل يجب علي الوفاء بالراتب كامل، الأساسي والحوافز؟ أم الأساسي الذي أخذته في أول شهر؟
الحمد لله.
يرجع في النذر أولاً إلى نية الناذر، فإذا نويتِ أن تخرجي الراتب كاملا: وجب عليك فعل ذلك، وهذا يشمل جميع الراتب (الأساسي والحوافز).
وإذا كان في نيتك عند النذر أن تخرجي الأساسي فقط، فلا يجب عليك إلا إخراج الأساسي.
والقاعدة في اليمين والنذر أنّ المعتبر فيهما : النية ، ثم السبب الحامل لهما ، ثم العرف ، ثم مقتضى اللفظ.
فتنظرين إلى نيتكِ عند عقد النذر وتعملين بمقتضاها.
قال القرافي رحمه الله: "والمعتبر في النذور النية فإن عدمت فالعرف" انتهى من "الذخيرة" (4/ 74).
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" والأصل في هذا الباب – أي باب اليمين- مراعاة ما نوى الحالف، فإن لم تكن له نية: نظر إلى بِساط قصته ، وما أثاره على الحلف (يقصد بذلك سبب الحلف) ؛ ثم حكم عليه بالأغلب من ذلك في نفوس أهل وقته" " انتهى. "الكافي في فقه أهل المدينة" (1،452).
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله، انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ، أو مخالفا له" المغني" (13/ 543).
وقال ابن شاس رحمه الله تعالى:
" اعلم أن المقتضيات للبر والحنث أمور:
الأول: النية، إذا كانت مما يصلح أن يراد اللفظ بها، كانت مطابقة له أو زائدة فيه، أو ناقصة عنه بتقييد مطلقه، وتخصيص عامه.
الثاني: السبب المثير لليمين ليُتعرف منه، ويعبر عنه بالبساط أيضاً، وذلك أن القاصد إلى اليمين لابد أن تكون له نية، وإنما يذكرها في بعض الأوقات، وينساها في بعضها، فيكون المحرك على اليمين ، وهو البساط ، دليلاً عليها .
لكن قد يظهر مقتضى المحرك ظهوراً لا إشكال فيه، وقد يخفى في بعض الحالات، وقد يكون ظهوره وخفاؤه بالإضافة.
الثالث: العُرف: أعني ما عرف من مقاصد الناس في أيمانهم.
الرابع: مقتضى اللفظ، لغة، ووضعاً.
والمشهور: أن هذه الأمور على ما ذكرناه من الترتيب " انتهى. "عقد الجواهر الثمينة" (2،348).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" وكذلك أصحاب الإمام أحمد صرَّحوا باعتبار النية ، وحمل اليمين على مقتضاها .
فإن عُدمت: رجع إلى سبب اليمين وما هيجها ، فحمل اللفظ عليه؛ لأنه دليل على النية ...
والمقصود: أن النية تؤثر في اليمين، تخصيصًا وتعميمًا، وإطلاقًا وتقييدًا.
والسبب يقوم مقامها عند عدمها ، ويدل عليها ، فيؤثر ما يؤثره، وهذا هو الذي يتعين الإفتاء به، ولا يُحمل الناس على ما يُقطَع أنهم لم يريدوه بأيمانهم، فكيف إذا علم قطعًا أنهم أرادوا خلافه؟ واللَّه أعلم " انتهى من "إعلام الموقعين" (532-535).
والنذر واليمين بابهما واحد.
فعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّمَا النَّذْرُ يَمِينٌ، كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) رواه أحمد (17340).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والنذر نوع من اليمين، وكل نذر فهو يمين، فقول الناذر: لله علي أن أفعل؛ بمنزلة قوله: أحلف بالله لأفعلن؛ موجب هذين القولين التزام الفعل معلقا بالله.
والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (النذر حلف) فقوله: إن فعلت كذا فعلي الحج لله، بمنزلة قوله: إن فعلت كذا فوالله لأحجن " انتهى. "مجموع الفتاوى" (35/258).
وقد ذكرت أنك كنت تعرفين الراتب تقريبا، فإذا كان خرج أصل الراتب على هذا الذي كنت تعرفينه، فلا يلزمك غيره، ولا يلزمك التصدق بالزيادات عليه.
وأما إن كنت تعرفين الراتب، وزيادته، وإنما الجديد: هو طريقة استلامهما، فيلزمك الصدقة بجميع الراتب، على ما نويت، وعرفت منه.
والله أعلم.