متى يمكن لطالب العلم أن يختار من الفتاوى ويرجح بين الأقوال؟

07-07-2025

السؤال 563062

إلى أيِّ مستوى من المعرفة يصلُ طالب العلم ليتمكن من اختيار فتوى من بين فتاوى متعددة بناءً على الأدلة؟ ما المؤهلات التي ينبغي أن يمتلكها لهذا؟ حتى الوصول إلى هذا المستوى، هل ينبغي عليه تقليد عالم موثوق كما يفعل الشخص العادي؟

الجواب

الحمد لله.

العامي يرجع إلى من يثق به من أهل العلم، كما أمر الله تعالى بقوله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ النحل/43

وأما طالب العلم الذي له قدرة على فهم الأقوال وأدلتها وطرق استنباطها والترجيح بينها، فإنه يأخذ بما ظهر له، وليس لذلك حد معين من العلم، بل يرجع الأمر إلى تمكنه من فهم المسألة وأدلتها، وقد يقع هذا له في مسألة دون مسألة.

وكثير من طلبة العلم لا يكون لديهم القدرة على النظر والاستنباط والترجيح، لكن يحصل لهم بالنظر في كلام العلماء ميل إلى أحد الأقوال وركون إلى دليل هذا القول، فعليه أن يأخذ به؛ لأنه الممكن في حقه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

قال الخطيب البغدادي رحمه الله في "الفقيه والمتفقه" (2/ 432): ": " فإن قال قائل: فكيف تقول في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا فهل له التقليد؟

قيل له: إن شاء الله هذا على وجهين:

أحدهما: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقل أن يعقل، وإذا فهم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم فيأخذ بأرجحها عنده.

فإن كان عقله يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده .

وقيل: يأخذ بقول من شاء من المفتين، وهو القول الصحيح؛ لأنه ليس من أهل الاجتهاد، وإنما عليه أن يرجع إلى قول عالم ثقة، وقد فعل ذلك، فوجب أن يكفيه، والله أعلم" انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله – كما في ""مجموع الفتاوى" (33/ 168)-

«وأما تقليد المستفتي للمفتي فالذي عليه الأئمة الأربعة وسائر أئمة العلم أنه ليس على أحد ولا شرع له التزام قول شخص معين في كل ما يوجبه ويحرمه ويبيحه؛ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لكن منهم من يقول: على المستفتي أن يقلد الأعلم الأروع ممن يمكنه استفتاؤه.

ومنهم من يقول: بل يخير بين المفتين.

وإذا كان له ‌نوع ‌تمييز؛ فقد قيل: يتبع أي القولين أرجح عنده، بحسب تمييزه، فإن هذا أولى من التخيير المطلق.

وقيل: لا يجتهد إلا إذا صار من أهل الاجتهاد.

والأول أشبه.

فإذا ترجح عند المستفتي أحد القولين؛ إما لرجحان دليله بحسب تمييزه، وإما لكون قائله أعلم وأروع: فله ذلك؛ وإن خالف قوله المذهب».

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما الواجب على العامي، ومن ليس له قدرة على طلب العلم؟

فأجاب فضيلته بقوله: يجب على من لا علم عنده ولا قدرة له على الاجتهاد أن يسأل أهل العلم؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.

ولم يأمر الله تعالى بسؤالهم إلا من أجل الأخذ بقولهم، وهذا هو التقليد.

لكن الممنوع في التقليد: أن يلتزم مذهبًا معينًا يأخذ به على كل حال، ويعتقد أن ذلك طريقه إلى الله -عز وجل- فيأخذ به وإن خالف الدليل. وأما من له قدرة على الاجتهاد؛ كطالب العلم الذي أخذ بحظ وافر من العلم، فله أن يجتهد في الأدلة ويأخذ بما يرى أنه الصواب أو الأقرب للصواب.

وأما العامي وطالب العلم المبتدئ، فيجتهد في تقليد من يرى أنه أقرب إلى الحق؛ لغزارة علمه وقوة دينه وورعه" انتهى من "كتاب العلم"، ص 153.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/ 41): " من كان أهلا لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، ويقوى على ذلك، ولو بمعونة الثروة الفقهية التي ورثناها عن السابقين من علماء الإسلام: كان له ذلك؛ ليعمل به في نفسه، وليفصل به في الخصومات، وليفتي به من يستفتيه.

ومن لم يكن أهلا لذلك: فعليه أن يسأل الأمناء الموثوق بهم، ليتعرف الحكم من كتبهم، ويعمل به، من غير أن يتقيد في سؤاله أو قراءته بعالم من علماء المذاهب الأربعة، وإنما رجع الناس للأربعة لشهرتهم، وضبط كتبهم، وانتشارها، وتيسرها لهم.

ومن قال بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقا فهو مخطئ جامد سيئ الظن بالمتعلمين عموما، وقد ضيق واسعا.

ومن قال بحصر التقليد في المذاهب الأربعة المشهورة: فهو مخطئ أيضا، قد ضيق واسعا بغير دليل.

ولا فرق بالنسبة للأمي بين فقيه من الأئمة الأربعة، وغيرهم، كالليث بن سعد والأوزاعي ونحوهما من الفقهاء" انتهى.

والله أعلم.

أصول الفقه العلم
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب