ما الحكمة من الحلق والتقصير في الحج والعمرة؟

16-07-2025

السؤال 558895

ما هي الحكمة وراء حلق الرأس بعد الحج أو العمرة؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

كل ما أمر الله به ورسوله يجب على المسلم الامتثال له مع الإيمان التام أنّ الله لا يأمر بشيء عبثاً وأن له حكمة في كل أفعاله وأحكامه الشرعية والكونية.

فإذا ظهرت لنا الحكمة في أمره ونهيه فذاك، وإنّ لم تظهر فنؤمن أنّ لله فيه حكمة، وأنّ الله أمر به لمصلحة العباد في حياتهم أو معادهم أو فيهما جميعا.

ولا بأس من تلمس المؤمن للحِكمة من أجل رفع مستوى إيمانه ويقينه لا بأس به، ولا زال أهل العلم يتلمسون الحكم في بعض الأحكام الشرعية والقدرية، فإن ظهر لهم شيء ذكروه من أجل زيادة الإيمان واليقين، وإن لم يظهر لهم شيء سلموا بأن الحكمة في حكمه تعالى الشرعي والقدري.

أما السؤال عن الحكمة للمنازعة والاعتراض، فهذا من أسباب الكفر وسوء الظن بالله تعالى.

قال ابن القيم رحمه الله: "فإن ورد الشرع بذكر حكمة الأمر أو ‌فقهها ‌العقل ‌كانت ‌زيادة ‌في ‌البصيرة ‌والداعية ‌في ‌الامتثال، وإن لم تظهر له حكمته لم يوهن ذلك انقياده ولم يقدح في امتثاله، فالمعظم لأمر الله يجري الأوامر والنواهي على ما جاءت لا يعللها بعلل توهنها وتخدش في وجه حسنها فضلا عن أن يعارضها بعلل تقتضي خلافها" انتهى من "الصواعق المرسلة" (2/ 1131).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أما السؤال عن الحكمة من باب الاسترشاد فإن هذا لا بأس به؛ ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكمة بعض الأشياء، كما في قوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج [البقرة: 189]؛ والسؤال على هذا الوجه من باب طلب العلم الذي يزداد به المؤمن إيماناً، وعلماً؛ وأما السؤال عن الحكمة بحيث لا يستسلم الإنسان للحكم، ولا ينقاد إلا بمعرفتها فهذا ضلال، واستكبار عن الحق، واتباع للهوى، وجعل الشريعة تابعة لا متبوعة" انتهى من "تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة" (1/133).

ثانياً:

أما بالنسبة للحلق أو التقصير في الحج والعمرة، فالأصل أنّ هذا أمر الله ورسوله، والواجب علينا الامتثال والاستسلام ، وقد لا تظهر لنا حكمته ، فهما من المناسك التعبدية التي أمر الله بها، ويظهر فيها كمال الامتثال والاستسلام، كما هو حال مناسك الحج الأخرى.

فلو سأل سائل لمَ كانت الأشواط سبعة والسعي سبعا والرمي سبعا ولم يكن أكثر أو أقل؟ ولمَ أداء النسك بهذه الثياب؟، ولمَ المنع من المحظورات؟

فالجواب: سمعنا وأطعنا، حيث نجد في جميع مناسك الحج التربية على الامتثال التام لله ورسوله، لا جدال ولا نزاع، وكفى بهذه حكمة.

قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الأحزاب/36.

ولهذا لما سألت امرأة عائشة رضي الله عنها قالت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنتِ؟ (أي : من الخوارج) قالت : لا، ولكني أسال. فقالت عائشة رضي الله عنها: كان يصيبنا ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " رواه البخاري (321) ومسلم (335).

فبينت لها أن المؤمن يكفيه أن هذا أمر من الله ورسوله وأن علينا الامتثال.

قال الشيخ البسام رحمه الله: "فكأنها تقول: ‌كفى ‌بامتثال ‌أوامر ‌الشارع ‌والوقوف ‌عند ‌حدوده حكمة ورشداً" انتهى من "تيسير العلام شرح عمدة الأحكام" (ص82).

وقد تلمس بعض أهل العلم بعض الحِكم في الحلق والتقصير في الحج والعمرة، منها:

أنّ الحاج والمعتمر كما قدم لله من ماله وجهده في هذا الحج فشُرع له أن يقدم شيئا من بدنه كإشارة لتمام الامتثال والاستسلام لله عز وجل، فكان الحلق والتقصير الذي ليس في تقديمه ضرر.

وأنّ في تعيين ‌الْحلق أو التقصير طَرِيقاً لِلْخُرُوجِ من الْإِحْرَام لأنه فعل لَا يُنَافِي الْوَقار، فَلَو تَركهم وأنفسهم لذهب كل مذهبا، وَمثله كَمثل السَّلَام من الصَّلَاة. انظر: "حجة الله البالغة للدهلوي" (2/ 94).

والله اعلم.

مسائل متفرقة في الحج
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب