هل بر الوالدين حق لهما أي هو من حق العباد، ويسري فيه العفو في أحكام الآخرة؟ أم هو حق لله تعالى لا يسقط بعفو الوالدين عن عقوق أبنائهم؟
وهل إذا أسقط الأب أو الأم حق البر على أولاده هل يعفي الأبناء من أداء هذه العبادة؟ أي أن أحد الوالدين يصرح بإسقاط هذا الحق، وأنه لا ينتظر من أولاده برا ولا حسن معاملة، فعل تبرأ ذمة الأبناء؟
الحمد لله.
أولًا:
ليس من عادة كرام البشر، أيها السائل الكريم، التماس الحيل والمخارج لمثل هذا الإسقاط للـبرِّ، وحسنِ المعاملة، فضلا عن أن يكون المسقِط هو أحد الأبوين!
وكيف يُتصور أن يطلب أحد الأبوين من الابن ألا يخدمه ولا يقوم على شئونه ولا يؤانسه، ولا يتفقد أحواله، ولا يقصد إلى أن يقول له قولا كريما، ولا أن يعطيه مما تيسر من ماله إن احتاجه، ولا يعوده إذا مرض، ولا يدفع عنه إذا ظُلم، ولا يحمله ويعينه ويقوم على شئونه إذا كبر وهرم؟
فإذا كان الوالدان في عافية عقلٍ وسلامة حسٍّ، وكانت علاقتهما بأولادهما كما هي عادة العلاقة بين الآباء والأبناء، الأسوياء العقلاء، وهو ما فطر الله الناس، بل الحيوان كله، عليه من آصرةِ الود والمحبة، جِبلةً؛ فلا يمكن أن يبتدئ الوالدُ ولدَه فيقول: (لا أنتظر منك أن تبرَّني) أو (لا أنتظر منك أن تحسن معاملتي)، على حدّ لفظ السؤال!
ولا يمكن تصوُّر: إعفاء الآباء أبناءهم من أداء عبادة بر الوالدين! أو (إسقاط الوالدين حقَّ البر) على حد لفظ السؤال أيضًا، إلا مع (القطيعة) و(التدابر)، لأن من صور البر والإحسان بالوالدين، ما يحصل بمجرد الصِّلة (=التواصل معهما)، وحسن المعاملة، ولين القول، مع عدم الأذى!
وينظر للفائدة جواب السؤال: (174800).
لكن قد يُتصور أن يطلب الوالدان من الأبناء مثل ذلك، إذا كان الطالبُ مريضًا نفسيًّا أو عقليًّا، فيقول ما يقوله لابنه وهو – في حقيقة الحال - في أشد الحاجة إليه، كمريض (الزهايمر) مثلًا! أو إذا اشتد غضبه على ابنه، فيطلب ذلك لا عن طيب خاطر، ولا سلامة صدر، ولا قاصدًا حقيقة ما يطلب، ولا مريدًا له، بل؛ إمعانًا في إبداء الغضب، والحزن، وعدم الرضا.
وفي الحالتين جميعا (المرض أو الغضب)؛ لا يَسقط حق الوالد على ولده إذا طلب الوالد ذلك من الولد، فهو طلب غير معتبر، وإسقاطٌ لا قيمة له، ولا يُعفي هذا الأبناءَ من سؤال الله لهم يوم الحساب، فإنهم يُسئلون عن حق والدهم المريض، أو عن استرضاء والدهم الغاضب، إن كان محقًّا في غضبته، ولم يستوف الابن سبُل الاسترضاء.
وللفائدة والتفصيل انظر جواب السؤال: (266456).
ثانيًا:
قد قضى ربًّنا تبارك وتعالى بالإحسان إلى الوالدين، وفرضَه على الناس، وجعله دينا وشرعًا، وعظَّم أجره، كذلك عظَّم جناية العقوق والوعيد عليه.
وما ذلك إلا لأن في بر الوالدين والإحسان إليهما: مصلحة كل من الوالدين والأولاد، واستقامة أمر الجميع في أولاهم وأخراهم، وفي معاشهم ومعادهم، وفي العقوق أو ترك الإحسان: ضد كل ذلك؛ إذ كل ما شرعه الله: عدل، ورحمة، ومصلحة، وحكمة.
قال ابن القيم رحمه الله: "الشريعة مبناها وأساسُها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالحُ كلها، وحكمة كلها".
حتى قال: " فالشريعة عدلُ الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظلُّه في أرضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله؛ أتمَّ دلالة وأصدقَها ...
وكل خير في الوجود: فإنما هو مستفاد منها، وحاصلٌ بها.
وكل نقصٍ في الوجود: فسببه من إضاعتها" انتهى مختصرًا من "أعلام الموقعين" (3/ 429).
ومن المُحكَم أن: "الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم قال بعد تقرير ذلك وتفصيله: "إذا ثبت أن الحسنات لها منافع - وإن كانت واجبة - كان في تركها مضار، والسيئات فيها مضار". "مجموع الفتاوى" (20/ 48، 50).
والمقصود: التنبيه على أن بر الوالدين والإحسان إليهما، فيه حقٌّ للأبناء أيضًا، وهو حقهم في تحصيل منافع الدنيا والآخرة التي جعلها الله مقتضيات لبر الوالدين، وجعل البر سببا ووسيلة شرعية توجِب هذه المنافع والمصالح الدنيوية والأخروية، وهذا ليس من الحقوق التي يباح للأولاد بذلها وإسقاطها، وكذلك كل ما غلب فيه معنى التعبد لله، كما ذكر العلماء؛ فلو كان جائزا أن يأذن الوالدان، لما جاز أن يقبل الأبناء.
وبر الوالدين: نوع من التعبد، ليس له نظير إن شاء الله، والإحسان إليهم، ليس كالإحسان إلى سائر الناس، فلذا التمس العلماء الفروقات بين (صلة الرحم) و(بر الوالدين)، وبين حقوق عموم الناس وحقوق الوالدين، وانظر للفائدة "الفروق" للقرافي (1/ 142).
وكثير من الأحاديث الدالة على بر الوالدين: مبيّنة للمصالح والمنافع الدنيوية والأخروية العظيمة، العائدة على الأبناء من هذه العبادة، فمن ذلك:
1- أن البرَّ من أوسع أبواب دخول الأولاد الجنة:
لما رواه مسلم (2551) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف)، قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما؛ فلم يدخل الجنة)!
قال النووي رحمه الله في شرحه (16/ 109): "معناه: أن برهما عند كبرهما وضعفهما، بالخدمة، أو النفقة، أو غير ذلك؛ سببٌ لدخول الجنة، فمَن قصَّر في ذلك؛ فاته دخول الجنة وأرغم الله أنفه"، انتهى.
2- كذلك: ما رواه مسلم (85) عن عبد الله بن مسعود قال: قلت: يا نبي الله، أي الأعمال أقرب إلى الجنة؟ قال: (الصلاة على مواقيتها) قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: (بر الوالدين) قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: (الجهاد في سبيل الله).
3- كذلك؛ فالوالدان أجود أبواب الجنة وخيرها للأبناء! لما رواه أحمد (27511) والترمذي (1900) عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلا أتاه فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الوالد أوسط أبواب الجنة)، فإن شئت فأضِع ذلك الباب، أو احفظه"، وصححه الترمذي والألباني وأحمد شاكر، وحسَّن إسناد أحمد محققو مسنده.
والوسط من الشيء: أجودُه وخياره، قال ابن كثير في تفسير أمة وسطًا (1/ 454): "والوسط ههنا الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا، أي: خيارها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطًا في قومه، أي: أشرفَهم نسباً، ومنه: الصلاة الوسطى، التي هي أفضل الصلوات، وهي صلاة العصر كما ثبت في الصحاح وغيرها"، انتهى.
4- كذلك: فبر الوالدين سبب لتفريج (كربات الدنيا)، كما في حديث الثلاثة الذين آواهم المبيتُ إلى الغار، فسدَّت صخرة عليهم الغار، فكان مما توسل به أحدهم أن قال: "اللهم؛ إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنتُ لا أغبقُ قبلهما أهلًا ولا مالًا ..." الحديث، رواه البخاري (2272)، ومسلم (2743).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" (1/ 82): "ففي هذا الحديث من الفوائد والعبر: فضيلة بر الوالدين؛ وأنه من الأعمال الصالحة التي تفرج بها الكربات، وتزال بها الظلمات"، انتهى.
5- ومِن أجود ما يستدل به على المراد (حق الولد ومصلحته في بر الوالدين):
ما في صحيح مسلم (2549) أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "أقبل رجلٌ إلى نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال: (فهل من والديك أحدٌ حيٌّ؟) قال: نعم، بل كلاهما، قال: (فتبتغي الأجر من الله؟!) قال: نعم، قال: (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما)"، انتهى.
قال القرافي رحمه الله: "فجعل - عليه السلام - الكونَ مع الأبوين؛ أفضل من الكون معه، وجعل خدمتَهما، أفضل من الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما في أول الإسلام، ومع أنه لم يَقل في الحديث إنهما منعاه، بل هما موجودان فقط!
فأمرَه عليه السلام بالأفضل في حقه، وهو الكون معهما، وفرضُ الجهاد فرض كفاية ...
وهذا الحديث؛ أعظم دليلٍ وأبلغ، في أمر الوالدين، فإنه - عليه الصلاة والسلام - رتَّب هذا الحكم على مجرَّد وصف الأبوة، مع قطع النظر عن أمرهما، وعصيانهما، وحاجتهما للولد، وغير ذلك من الأمور الموجبة لبرهما، بل مجرد وصف الأبوة مقدَّم على ما تقدم ذكره.
وإذا نص النبي عليه الصلاة والسلام على تقديم صحبتهما، على صحبته عليه السلام؛ فما بقي بعد هذه الغاية غاية.
وإذا قدم خدمتهما على فعل فروض الكفاية؛ فعلى النفل بطريق الأولى، بل على المندوبات المتأكدة"، انتهى من "الفروق" (1/ 144).
والمقصود:
أن بر الوالدين كما شُرع لما فيه من المصالح الدنيوية للوالدين، فليس هذا حقًّا خالصًا لهما، ففيه منافع ومصالح دنيوية وأخروية للأولاد، هي أعظم وأظهر مما للوالدين، وقد تكررت وتنوّعت وتأكدت في نصوص كثيرة صريحة، مما يجعلها عبادة ليس لها نظير فيما يعود بالنفع في الدنيا والآخرة على الأبناء، ومعلوم أنها قرنت في القرآن بتوحيد العبادة، كما قُرن مع الإشراك بالله، في جملة الكبائر والجرائم العِظام.
فقد روى البخاري (6919) ومسلم (87) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وشهادة الزور)، ثلاثا، أو: (قول الزور).
ثالثًا:
ليس كل حقٍّ للعبد قد أُذن له أن يسقطه، كما يتوهم من السؤال، بل أكثر الشريعة تكليفات بحقوق للعبد لنفسه، أو حقوق للعبد على العبد، مع الحجر عليه أن يسقطه، وإلزامه بتحصيل (حقه) والمصلحة العائدة عليه منه، فلا عبرة بإذنه أن يسقطه، ولا قيمة لإسقاطه إن وقع.
يقول محمد بن علي المكي المالكي في ذكره تقسيم التكاليف من حيث تعلق الحقوق بها:
" ... والقسم الرابع: تكليف بحقِّ الله تعالى على العبد، وحقِّ العبد، في الجملة، مما يستقيم به في أولاه وأخراه من مصالحه، فلا يتأتى فيه للعبد إسقاطٌ، ولو لحقِّه، لأن الله تعالى قد حجَر فيه على العبد، حتى في حقِّ نفسه، لطفًا به ورحمة له، وأكثر الشريعة من هذا القسم.
فمن ذلك: أنه تعالى حجر برحمته على عبده في تضييع ماله، الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته، فحرَّم عليه عقود الربا صونًا لماله عليه، وعقود الغرر والجهالات، صونا لماله عن الضياع ... وحرَّم عليه إلقاء ماله في البحر وتضييعه في غير مصلحة ...
فلا يؤثر رضا العبد بإسقاطه حقَّه في ذلك كله، كما لا يؤثر رضاه بولاية الفسقة، وشهادة الأراذل ونحوها. فافهم"، انتهى من "تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية" (1/ 157- مع الفروق) باختصار.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
"ليس كل حق للإنسان له أن يسقطه، ولا يَسقط بإسقاطه، وإنما ذاك فيما يباح له بَذْلُه، وهو ما لا ضرر عليه في بذله، مثل ما يعطيه من فضل مالٍ ونفعٍ، وأما ما ليس له بذلُه؛ فلا يباح بإباحته، كما لو قال له: علمني السحرَ والكفرَ والكهانةَ وأنت في حلٍّ من إضلالي، أو قال له: بعني رقيقًا وخذ ثمني، وأنت في حلٍّ من ذلك، وكذلك إذا قال: افعل بي أو بابني أو بامرأتي أو بإمائي الفاحشة؛ لم يكن هذا مما يَسقط حقُّه فيه بإباحته، فإنه ليس له بذل ذلك، ومعلوم أن الله يعاقبهما على الفاحشة وإن تراضيا بها.
لكن المقصود: أن في ذلك أيضا ظلمًا لهذا الشخص، لا يرتفع بإباحته ... وهو كما لو قال له: أزل عقلي وأنت في حلٍّ من ذلك؛ فإن الإنسان لا يملك بذل ذلك، بل هو ممنوع من ذلك ... وهذا مثل الربا، فإنه وإن رضي به المرابي وهو بالغٌ رشيد؛ لم يبح ذلك، لما فيه من ظلمه؛ ولهذا له أن يطالبه بما قبض منه من الزيادة، ولا يعطيه إلا رأس ماله"، انتهى مختصرًا من "مجموع الفتاوي" (15/ 128).
رابعًا:
ما أبيح للعبد أن يُسقِطه من حقوقه؛ إنما أبيح، وأُذن فيه، وشُرِع، لمصلحةٍ أيضًا ولا بدَّ، لأنَّ مبنى الشريعة كلها على مصالح العباد في الدنيا والآخرة كما سبق، فلا بدَّ أن يكون ذلك لتحصيل مصلحة مرعية من جهة أخرى ولا بدّ.
ولا شكَّ أن إسقاط بر الوالدين، والإحسان إليهما جملةً، ليس فيه نفع ولا مصلحة، ولا فائدة راجعة على الوالدين، بل يضرُّ الوالدين في دنياهم، بفقد المُعين على نوائب الدهر، على أقل تقدير، لا سيما عند كبر سنهما، الذي جاء الاعتبار به في الكتاب والسنة منصوصًا واضحًا، كما في قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا الإسراء/23-24 .
وإذا كان في إسقاطه إيقاع الضرر، من غير نفع يذكَر؛ فليس هو من الحقوق المباح إسقاطها، بل يحجر على العبد فيه، كما سبق نقل نظائره عن العلماء، فعلى تقدير أن الوالدين قد طلبا ما في السؤال – وهو مستبعد من صحيح العقل والحس كما سبق – فلا عبرة بطلبهما، وفي إسقاطما لحقهما في البر (ظلمٌ لهما، لا يرتفع بإباحتهما)!!
وكذلك: فإسقاطه يضرُّ الأبناء، بحرمانهم من المصالح الدنيوية والأخروية عظيمة النفع التي سبق ذكر بعضها.
ثم قبل ذلك، وفوق ذلك: إذا تأملنا موارد الكثير من نصوص الأمر بالبر، وقرنه بتوحيد الله جل جلاله، والتحذير من العقوق، وقرنه بالشرك به= تبينا أن في البر حقا لله تعالى، الذي شرع لعباده هذه العبادة العظيمة، وحذرهم من الإخلال بها، ولم يترك ذلك لمجرد وازع الطبع، في عناية الابن بأبيه، حتى جعلها شريعة محكمة، وعبادة فاضلة رفيعة الشأن عند رب العالمين؛ فهب أن الوالدين أسقطا، وهب أن ذلك الإسقاط: عذر معتبر، لحقهما؛ فأين حق الله، وطاعة أمره، وتعظيم شرعه؟!
وحقًا؛ لا نجد في هذا الإسقاط إلا أنه (تحلل الأبناء من هذا التكليف المعظَّم) فحسب، وعلى نحو يبدو كما لو كان (إباءً لنعمة الله) إذ شرع ما فيه مصلحة ونفع للآباء والأبناء في الدارين، ولو لم يكن فيه إلا أنه تركٌ لما أمر الله تعالى من البر والإحسان وإيتاء ذي القربى، وفعلٌ لما نهى عنه من الإفساد في الأرض وتقطيع الأرحام والمنكر والبغي، لكفى ذلك في ذمه ومنعه وتحريمه!
خامسًا:
أما إن عقَّ الولد والديه، أو أساء إليهما، أو ترك برَّهما أو الإحسان إليهما في شيء ما، أو وقت ما؛ فقد ظلمهما بذلك، ويجب عليه أمران:
الأول: أن يتوب من مخالفة أمر الله، أو من فعله ما نهى الله عنه، ليستدرك جنايته وتقصيره في حق الله تعالى.
الثاني: أن يتحلل منهما، ويسترضيهما، ليستدرك جنايته وتقصيره في حقهما، وظلمه لهما.
ويشرع لهما حينئذ العفو والمسامحة، وإسقاط تبعة (المظلمة) عن الابن، فالعفو وإسقاط مثل هذه المظلمة مما أبيح بذلُه بلا خلافٍ، بل يستحب مثل هذا العفو لعموم النصوص الدالة على استحباب العفو وإصلاح ذات البين.
والله أعلم.